هُوَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ» ..

فما أحوج من يواجه الجاهلية بطاغوتها وجبروتها، وبإعراضها وعنادها، وبالتوائها وكيدها، وبفسادها وانحلالها .. ما أحوج من يواجه هذا الشر كله، أن يستصحب في قلبه هذه الحقائق وهذه المشاعر .. مخافة المعصية والولاء لغير اللّه. ومخافة العذاب الرعيب الذي يترقب العصاة .. واليقين بأن الضار والنافع هو اللّه.

وأن اللّه هو القاهر فوق عباده فلا معقب على حكمه ولا راد لما قضاه. إن قلبا لا يستصحب هذه الحقائق وهذه المشاعر لن يقوى على تكاليف «إنشاء» الإسلام من جديد في وجه الجاهلية الطاغية .. وهي تكاليف هائلة تنوء بها الجبال! ثم ما أحوج العصبة المؤمنة - بعد أن تستيقن حقيقة مهمتها في الأرض اليوم وبعد أن تستوضح حقيقة العقيدة التي تدعو إليها ومقتضياتها من إفراد اللّه سبحانه بالولاء بكل مدلولاته وبعد أن تستصحب معها في مهمتها الشاقة تلك الحقائق والمشاعر .. ما أحوجها بعد ذلك كله إلى موقف الإشهاد والقطع والمفاصلة والتبرؤ من الشرك الذي تزاوله الجاهلية البشرية اليوم كما كانت تزاوله جاهلية البشرية الأولى. وأن تقول ما أمر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله وأن تقذف في وجه الجاهلية، بما قذف به في وجهها الرسول الكريم، تنفيذا لأمر ربه العظيم: «قُلْ: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ: اللَّهُ، شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى؟ قُلْ: لا أَشْهَدُ. قُلْ: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» ..

إنه لا بد أن تقف العصبة المسلمة في الأرض، من الجاهلية التي تغمر الأرض، هذا الموقف. لا بد أن تقذف في وجهها بكلمة الحق هذه عالية مدوية، قاطعة فاصلة، مزلزلة رهيبة .. ثم تتجه إلى اللّه تعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه هو القاهر فوق عباده. وأن هؤلاء العباد - بما فيهم الطواغيت المتجبرون - أضعف من الذباب، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه! وأنهم ليسوا بضارين من أحد إلا بإذن اللّه وليسوا بنافعين أحدا إلا بإذن اللّه، وأن اللّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015