بالشعائر والعبادات وما يختص بالحلال والحرام وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية. وأن هذا في مجموعه هو «الدين» الذي يقول اللّه عنه في هذه الآية:

إنه أكمله. وهو «النعمة» التي يقول اللّه للذين آمنوا: إنه أتمها عليهم. وأنه لا فرق في هذا الدين بين ما يختص بالتصور والاعتقاد وما يختص بالشعائر والعبادات وما يختص بالحلال والحرام وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية .. فكلها في مجموعها تكوّن المنهج الرباني الذي ارتضاه اللّه للذين آمنوا والخروج عن هذا المنهج في جزئية منه، كالخروج عليه كله، خروج على هذا «الدين» وخروج من هذا الدين بالتبعية ..

والأمر في هذا يرجع إلى ما سبق لنا تقريره من أن رفض شيء من هذا المنهج، الذي رضيه اللّه للمؤمنين، واستبدال غيره به من صنع البشر معناه الصريح هو رفض ألوهية اللّه - سبحانه - وإعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر واعتداء على سلطان اللّه في الأرض، وادعاء للألوهية بادعاء خصيصتها الكبرى .. الحاكمية .. وهذا معناه الصريح الخروج على هذا الدين والخروج من هذا الدين بالتبعية ..

«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» .. يئسوا أن يبطلوه، أو ينقصوه، أو يحرفوه. وقد كتب اللّه له الكمال وسجل له البقاء .. ولقد يغلبون على المسلمين في موقعة، أو في فترة، ولكنهم لا يغلبون على هذا الدين. فهو وحده الدين الذي بقي محفوظا لا يناله الدثور، ولا يناله التحريف أيضا على كثرة ما أراد أعداؤه أن يحرفوه وعلى شدة ما كادوا له، وعلى عمق جهالة أهله به في بعض العصور .. غير أن اللّه لا يخلي الأرض من عصبة مؤمنة تعرف هذا الدين وتناضل عنه، ويبقى فيها كاملا مفهوما محفوظا حتى تسلمه إلى من يليها. وصدق وعد اللّه في يأس الذين كفروا من هذا الدين! «فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» ...

فما كان للذين كفروا أن ينالوا من هذا الدين في ذاته أبدا. وما كان لهم أن ينالوا من أهله إلا أن ينحرف أهله عنه فلا يكونوا هم الترجمة الحية له ولا ينهضوا بتكاليفه ومقتضياته ولا يحققوا في حياتهم نصوصه وأهدافه ..

وهذا التوجيه من اللّه للجماعة المسلمة في المدينة، لا يقتصر على ذلك الجيل إنما هو خطاب عام للذين آمنوا في كل زمان وفي كل مكان .. نقول: للذين آمنوا .. الذين يرتضون ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015