من أداء شهادة له، تحقق فيه قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» (?).
وتبدأ شهادته للإسلام، من أن يكون هو بذاته. ثم ببيته وعائلته. ثم بأسرته وعشيرته، صورة واقعية من الإسلام الذي يدعو إليه .. وتخطو شهادته الخطوة الثانية بقيامة بدعوة الامة - بعد دعوة البيت والأسرة والعشيرة - إلى تحقيق الإسلام في حياتها كلها .. الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .. وتنتهي شهادته بالجهاد لإزالة العوائق التي تضل الناس وتفتنهم من أي لون كانت هذه العوائق .. فإذ استشهد في هذا فهو إذن «شهيد» أدى شهادته لدينه، ومضى إلى ربه .. وهذا وحده هو «الشهيد».
وفي نهاية المطاف نقف وقفة خاشعة أمام جلال اللّه وعظمته ممثلة في علمه، وعدله، ورعايته، وفضله، ورحمته وبره .. بهذا الكائن الإنساني الذي يجحد ويطغى ..
نقف أمام عظمة العلم بهذا الكائن وما أودعه من القوى والطاقات وما ركب في كينونته من استعدادات الهدى والضلال. وما رتبه على هذا العلم حين لم يكله إلى عقله وحده .. على عظمة هذه الأداة التي وهبها له وعلى كثرة ما في الأنفس والآفاق من دلائل الهدى وموجبات الإيمان .. فلقد علم اللّه أن هذه الأداة العظيمة تنوشها الشهوات والنزوات وأن الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون وأطواء النفس قد يحجبها الغرض والهوى، ويحجبها الجهل والقصور .. ومن ثم لم يكل إلى العقل البشري تبعة الهدى والضلال - إلا بعد الرسالة والبيان - ولم يكل إليه بعد البيان والاهتداء وضع منهج الحياة، إنما وكل إليه تطبيق منهج الحياة الذي يقرره له اللّه .. ثم ترك له ما وراء ذلك - وهو ملك عريض - يبدع فيه ما شاء، ويغير فيه ما شاء، ويركب فيه ما شاء، ويحلل فيه ما شاء. منتفعا بتسخير اللّه لهذا الملك كله لهذا الإنسان وهو الذي يخطىء عقله ويصيب، وتعثر قدمه وتستقيم على الطريق!
ونقف أمام عظمة العدل الذي يرتب للناس حجة على اللّه - سبحانه - لو لم يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين. هذا مع احتشاد كتاب الكون المفتوح، وكتاب النفس المكنون