مجال إدراك العقل البشري

يحسن أن نقف هنا وقفة قصيرة، لتحديد مجال الإدراك البشري في هذا الأمر وفي أمر الدين كله. فلا يكون هذا التكريم الذي كرمه اللّه للإنسان بهذا التحكيم، سبيلا إلى الغرور، وتجاوز الحد المأمون والانطلاق من السياج الحافظ من المضي في التيه بلا دليل!

إن مثل هذه التوجيهات في القرآن الكريم يساء إدراكها، وإدراك مداها. فيذهب بها جماعة من المفكرين الإسلاميين - قديما وحديثا - إلى إعطاء الإدراك البشري سلطة الحكم النهائية في أمر الدين كله. ويجعلون منه ندا لشرع اللّه. بل يجعلونه هو المسيطر على شرع اللّه!

الأمر ليس كذلك .. الأمر أن هذه الأداة العظيمة - أداة الإدراك البشري - هي بلا شك موضع التكريم من اللّه - ومن ثم يكل إليها إدراك الحقيقة الأولى: حقيقة أن هذا الدين من عند اللّه. لأن هناك ظواهر يسهل إدراكها وهي كافية بذاتها للدلالة - دلالة هذا الإدراك البشري ذاته - على أن هذا الدين من عند اللّه .. ومتى أصبحت هذه القاعدة الكبيرة مسلما بها، أصبح من منطق هذا الإدراك ذاته أن يسلم - بعد ذلك - تلقائيا بكل ما ورد في هذا الدين - لا يهم عندئذ أن يدرك حكمته الخفية أو لا يدركها. فالحكمة متحققة حتما ما دام من عند اللّه. ولا يهم عندئذ أن يرى «المصلحة» متحققة فيه في اللحظة الحاضرة. فالمصلحة متحققة حتما ما دام من عند اللّه ..

والعقل البشري ليس ندا لشريعة اللّه - فضلا على أن يكون الحاكم عليها - لأنه لا يدرك إلا إدراكا ناقصا في المدى المحدود ويستحيل أن ينظر من جميع الزوايا وإلى جميع المصالح - لا في اللحظة الواحدة ولا في التاريخ كله - بينما شريعة اللّه تنظر هذه النظرة فلا ينبغي أن يكون الحكم فيها، أو في حكم ثابت قطعي من أحكامها موكولا إلى الإدراك البشري ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015