ولكن لابد أن نقف أمام هذه الحقيقة الهائلة .. حقيقة حياة الشهداء في سبيل اللّه .. فهي حقيقة مقررة من قبل في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] .. ولكنها تعرض هنا عرضا جديدا. تعرض في حالة امتداد ونماء في طريقها الذي غادرت الحياة الدنيا وهي تسلكه وتتوخاه. طريق الطاعة والهداية والتجرد والنقاء: «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ» ..

فاللّه ربهم الذي قتلوا في سبيله، يظل يتعهدهم بالهداية - بعد الاستشهاد - ويتعهدهم بإصلاح البال، وتصفية الروح من بقية أوشاب الأرض أو يزيدها صفاء لتتناسق مع صفاء الملأ الأعلى الذي صعدت إليه، وإشراقه وسناه. فهي حياة مستمرة في طريقها لم تنقطع إلا فيما يرى أهل الأرض المحجوبون. وهي حياة يتعهدها اللّه ربها في الملأ الأعلى. ويزيدها هدى. ويزيدها صفاء، ويزيدها إشراقا. وهي حياة نامية في ظلال اللّه. وأخيرا يحقق لهم ما وعدهم: «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ» ..

وقد ورد حديث عن تعريف اللّه الجنة للشهداء رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ قَيْسٍ الْجُذَامِيِّ، رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتَّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ: يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِِيمَانِ (?) ..

وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الْحَكَمُ: سِتَّ خِصَالٍ، أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى، قَالَ الْحَكَمُ: وَيُرَى، مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، قَالَ الْحَكَمُ: يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015