ثم إن هذه الغيبوبة في حقيقتها إن هي إلا هروب من واقع الحياة في فترة من الفترات وجنوح إلى التصورات التي تثيرها النشوة أو الخمار. والإسلام ينكر على الإنسان هذا الطريق ويريد من الناس أن يروا الحقائق، وأن يواجهوها، ويعيشوا فيها، ويصرفوا حياتهم وفقها، ولا يقيموا هذه الحياة على تصورات وأوهام .. إن مواجهة الحقائق هي محك العزيمة والإرادة أما الهروب منها إلى تصورات وأوهام فهو طريق التحلل، ووهن العزيمة، وتذاوب الإرادة. والإسلام يجعل في حسابه دائما تربية الإرادة، وإطلاقها من قيود العادة القاهرة .. الإدمان ..
وهذا الاعتبار كاف وحده من وجهة النظر الإسلامية لتحريم الخمر وتحريم سائر المخدرات .. وهي رجس من عمل الشيطان .. مفسد لحياة الإنسان.
واللّه حين يحرم شيئا يعلم - سبحانه - لم حرمه. سواء ذكر سبب التحريم أو لم يذكر. وسواء كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم، أو لعلة تتعلق بمن يتناوله من ناحية ذاته، أو من ناحية مصلحة الجماعة ..
فاللّه سبحانه هو الذي يعلم الأمر كله والطاعة لأمره واجبة، والجدل بعد ذلك لا يمثل حاجة واقعية. والواقعية هي طابع هذا المنهج الرباني .. ولا يقولن أحد: إذا كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم فكيف أبيح إذن قبل تحريمه!!
فلا بد أن للّه - سبحانه - حكمة في تركه فترة بلا تحريم. ومرد الأمر كله إلى اللّه. وهذا مقتضى ألوهيته - سبحانه - واستحسان الإنسان أو استقباحه ليس هو الحكم في الأمر وما يراه علة قد لا يكون هو العلة. والأدب مع اللّه يقتضي تلقي أحكامه بالقبول والتنفيذ، سواء عرفت حكمتها أو علتها أم ظلت خافية .. واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون.
إن العمل بشريعة اللّه يجب أن يقوم ابتداء على العبودية .. على الطاعة للّه إظهارا للعبودية له سبحانه.
فهذا هو الإسلام - بمعنى الاستسلام .. وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يتلمس حكمة اللّه - بقدر ما يستطيع - فيما أمر اللّه به أو نهى عنه - سواء بين اللّه حكمته أم لم يبينها، وسواء أدركها العقل البشري أم لم يدركها - فالحكم في استحسان شريعة اللّه في