وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ».

إنه يبدأ بالنداء المألوف في هذا القطاع: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» .. لاستجاشة قلوب المؤمنين من جهة ولتذكيرهم بمقتضى هذا الإيمان من الالتزام والطاعة من جهة أخرى ..

يلي هذا النداء الموحي تقرير حاسم على سبيل القصر والحصر: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ» .. فهي دنسة لا ينطبق عليها وصف «الطيبات» التي أحلها اللّه. وهي من عمل الشيطان. والشيطان عدو الإنسان القديم ويكفي أن يعلم المؤمن أن شيئا ما من عمل الشيطان لينفر منه حسه، وتشمئز منه نفسه، ويجفل منه كيانه، ويبعد عنه من خوف ويتقيه! وفي هذه اللحظة يصدر النهي مصحوبا كذلك بالإطماع في الفلاح - وهي لمسة أخرى من لمسات الإيحاء النفسي العميق: «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .. ثم يستمر السياق في كشف خطة الشيطان من وراء هذا الرجس: «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ... » ..

بهذا ينكشف لضمير المسلم هدف الشيطان، وغاية كيده، وثمرة رجسه .. إنها إيقاع العداوة والبغضاء في الصف المسلم - في الخمر والميسر - كما أنها هي صد «الذين آمنوا» عن ذكر اللّه وعن الصلاة .. ويا لها إذن من مكيدة! وهذه الأهداف التي يريدها الشيطان أمور واقعة يستطيع المسلمون أن يروها في عالم الواقع بعد تصديقها من خلال القول الإلهي الصادق بذاته. فما يحتاج الإنسان إلى طول بحث حتى يرى أن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء - في الخمر والميسر - بين الناس. فالخمر بما تفقد من الوعي وبما تثير من عرامة اللحم والدم، وبما تهيج من نزوات ودفعات. والميسر الذي يصاحبها وتصاحبه بما يتركه في النفوس من خسارات وأحقاد إذ المقمور لا بد أن يحقد على قامره الذي يستولي على ماله أمام عينيه، ويذهب به غانما وصاحبه مقمور مقهور ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015