حياتهم ولم تكن مجرد معان يتملونها بأذهانهم، أو يحسونها مجردة في مشاعرهم. كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها. لتحويلها إلى حركة منظورة، لا إلى صورة متأملة .. هكذا أدركها عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية. عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:اشترط لربِّك ولنفسك ما شئت! قال: اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسَكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك، فماذا لنا؟ قال: الجنة! قالوا: ربح البيعُ، لا نُقيل ولا نستقيل! فنزلت: (إن الله اشترى من المؤمنين)،الآية (?) .. هكذا .. «ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل» .. لقد أخذوها صفقة ماضية نافذة بين متبايعين انتهى أمرها، وأمضي عقدها، ولم يعد إلى مرد من سبيل: «لا نقيل ولا نستقيل» فالصفقة ماضية لا رجعة فيها ولا خيار والجنة: ثمن مقبوض لا موعود! أليس الوعد من اللّه؟ أليس اللّه هو المشتري؟ أليس هو الذي وعد الثمن. وعدا قديما في كل كتبه: «وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ» ..
«وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟».أجل! ومن أوفى بعهده من اللّه؟
إن الجهاد في سبيل اللّه بيعة معقودة بعنق كل مؤمن .. كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل ومنذ كان دين اللّه .. إنها السنة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» .. «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً».
إن الحق لا بد أن ينطلق في طريقه. ولا بد أن يقف له الباطل في الطريق! .. بل لا بد أن يأخذ عليه الطريق .. إن دين اللّه لا بد أن ينطلق لتحرير البشر من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية للّه وحده. ولا بد أن يقف له الطاغوت في الطريق .. بل لا بد أن يقطع عليه الطريق .. ولا بد لدين اللّه أن ينطلق في «الأرض» كلها لتحرير «الإنسان» كله. ولا بد للحق أن يمضي في طريقه ولا ينثني عنه ليدع للباطل طريقا! .. وما دام في «الأرض» كفر. وما دام في «الأرض» باطل. وما دامت في «الأرض» عبودية لغير اللّه تذل كرامة