وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:وَقَعَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سِبَابٌ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي،فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ عَمَلَ صَاحِبِهِ،وَلاَ نَصِيفَهُ. (?)
وهو يعني هذه الطبقة ذات القدر الخاص المتميز في المجتمع المسلم في المدينة.
ولكن تميز هذه الطبقات بأقدارها الإيمانية التي أنشأتها الحركة الإسلامية، لم يكن مانعا أن تتقارب المستويات الإيمانية وتتناسق في مجتمع المدينة قبيل الفتح وأن يتوارى الكثير من أعراض الخلخلة في الصف، والكثير من ظواهر الضعف والتردد، والشح بالنفس والمال، وعدم الوضوح العقدي، والنفاق .. من ذلك المجتمع. بحيث يمكن اعتبار المجتمع المدني بجملته هو القاعدة الإسلامية.
إلا أن فتح مكة في العام الثامن الهجري، وما أعقبه من استسلام هوازن وثقيف في الطائف وهما آخر قوتين كبيرتين بعد قريش في الجزيرة، قد عاد فصب في المجتمع المسلم أفواجا جديدة كثيرة دخلت في الدين مستسلمة على درجات متفاوتة من المستويات الإيمانية وفيهم كارهون للإسلام منافقون وفيهم المنساقون إلى الإسلام الظاهر القاهر، وفيهم المؤلفة قلوبهم، دون انطباع بحقائق الإسلام الجوهرية ولا امتزاج بروحه الحقيقية.
لقد كانت وقفة قريش العنيدة الطويلة حاجزا قويا دون انسياح الإسلام في الجزيرة العربية. فقد كانت قريش هي صاحبة الكلمة العليا في الشؤون الدينية في الجزيرة - فوق ما كان لها من نفوذ اقتصادي وسياسي وأدبي كذلك - فكانت وقفتها في وجه الدين الجديد، بهذه الصورة العنيدة، مدعاة لصرف العرب في أنحاء الجزيرة عن الدخول فيه، أو على الأقل مدعاة للتردد والانتظار حتى تنجلي المعركة بين قريش وهذا النبي من أبنائها! ... فلما دانت قريش بالفتح، ودانت بعدها هوازن وثقيف في الطائف وكانت قبائل اليهود الثلاث القوية في المدينة قد خضدت شوكتها نهائيا فأجليت بنو قينقاع وبنو النضير إلى الشام، وأبيدت بنو قريظة، واستسلمت خيبر الاستسلام الأخير ... كان ذلك إيذانا بدخول الناس في دين اللّه أفواجا، وانسياح الإسلام في أرجاء الجزيرة كلها في خلال عام واحد.