الكفاية من الأوامر لحماية غير المحاربين، ولاحترام بشرية المحاربين. إنما المقصود هو الخشونة التي لا تميع المعركة وهذا الأمر ضروري لقوم أمروا بالرحمة والرأفة في توكيد وتكرار فوجب استثناء حالة الحرب، بقدر ما تقتضي حالة الحرب، دون رغبة في التعذيب والتمثيل والتنكيل. (?)
إنه لا بد من استصحاب الأحوال والملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية العملية التي صاحبت نزول النص القرآني .. لا بد من هذا لإدراك وجهة النص وأبعاد مدلولاته ولرؤية حيويته وهو يعمل في وسط حي ويواجه حالة واقعة كما يواجه أحياء يتحركون معه أو ضده. وهذه الرؤية ضرورية لفقه أحكامه وتذوقها كما هي ضرورية للانتفاع بتوجيهاته كلما تكررت تلك الظروف والملابسات في فترة تاريخية تالية، وعلى الأخص فيما يواجهنا اليوم ونحن نستأنف الدعوة الإسلامية.
نقول هذه المقالة ونحن على يقين أنه لن يرى هذه الرؤية اليوم إلا الذين يتحركون فعلا بهذا الدين في مواجهة الجاهلية الحاضرة ومن ثم يواجهون أحوالا وملابسات وظروفا وأحداثا كالتي كان يواجهها صاحب الدعوة الأولى - صلوات اللّه وسلامه عليه - والعصبة المسلمة معه .. من الإعراض والتولي عن هذا الدين في حقيقته الكبيرة الشاملة التي لا تتحقق إلا بالدينونة الكاملة للّه وحده في كل شأن من شؤون الحياة الاعتقادية والأخلاقية والتعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية .. وما يلقونه كذلك من الإيذاء والمطاردة والتعذيب والتقتيل كالذي كانت تلك العصبة المختارة الأولى تبتلى - في سبيل اللّه - به ..
إن هؤلاء الذين يتحركون بهذا الدين في مواجهة الجاهلية ويواجهون به ما كانت تواجهه الجماعة المسلمة الأولى .. هم وحدهم الذين يرون تلك الرؤية .. وهم وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن ويدركون الأبعاد الحقيقية لمدلولات نصوصه. على النحو الذي أسلفنا .. وهم وحدهم الذين يملكون استنباط فقه الحركة الذي لا يغني عنه فقه الأوراق، في مواجهة الحياة المتحركة التي لا تكف عن الحركة! وبمناسبة هذه الإشارة إلى فقه الحركة