أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ» .. وهي أصدق كلمة أن تقال، وأحق كلمة بأن تقال. ومن أجل هذه الكلمة وحدها كان إخراجهم. فهو البغي المطلق الذي لا يستند إلى شبهة من ناحية المعتدين. وهو التجرد من كل هدف شخصي من ناحية المعتدى عليهم، إنما هي العقيدة وحدها من أجلها يخرجون، لا الصراع على عرض من أعراض هذه الأرض، التي تشتجر فيها الأطماع وتتعارض فيها المصالح وتختلف فيها الاتجاهات وتتضارب فيها المنافع! ووراء هذا كله تلك القاعدة العامة .. حاجة العقيدة إلى الدفع عنها: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» ..
والصوامع أماكن العبادة المنعزلة للرهبان، والبيع للنصارى عامة وهي أوسع من الصوامع، والصلوات أماكن العبادة لليهود. والمساجد أماكن العبادة للمسلمين.
وهي كلها معرضة للهدم - على قداستها وتخصيصها لعبادة اللّه - لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم اللّه يذكر فيها، ولا يحميها إلا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض. أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها، ويعتدون على أهلها. فالباطل متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول. ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه، بل لا بد من القوة تحميه وتدفع عنه. وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان!
ولا بد من وقفة أمام هذه النصوص القليلة الكلمات العميقة الدلالة، وما وراءها من أسرار في عالم النفس وعالم الحياة.
إن اللّه يبدأ الإذن بالقتال للذين قاتلهم المشركون، واعتدى عليهم المبطلون، بأن اللّه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكره المعتدين عليهم من الكفار الخائنين: «إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ» .. فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم. ومن يدافع اللّه عنه فهو ممنوع حتما من عدوه، ظاهر حتما على عدوه .. ففيم إذن يأذن لهم بالقتال؟ وفيم إذن يكتب عليهم الجهاد؟ وفيم إذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح، والجهد والمشقة، والتضحية والآلام ... والعاقبة معروفة، واللّه قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة، ولا تضحية ولا ألم، ولا قتل ولا قتال؟