والشيطان نفسه لم يكن ينكر وجود اللّه سبحانه، ولا صفاته .. أي إنه لم يكن يلحد في اللّه من ناحية العقيدة! إنما الذي فعله هو الخروج على الدينونة للّه .. وهذا هو ما أورده جهنم هو ومن اتبعه من الغاوين.
إن الدينونة للّه وحده هي مناط الإسلام. فلا قيمة لإسلام يدين أصحابه لغير اللّه في حكم من الأحكام. وسواء كان هذا الحكم خاصا بالاعتقاد والتصور. أو خاصا بالشعائر والمناسك. أو خاصا بالشرائع والقوانين. أو خاصا بالقيم والموازين ... فهو سواء .. الدينونة فيه للّه هي الإسلام. والدينونة فيه لغير اللّه هي الجاهلية الذاهبة مع الشيطان.
ولا يمكن تجزئة هذه الدينونة واختصاصها بالاعتقاد والشعائر دون النظام والشرائع. فالدينونة للّه كل لا يتجزأ. وهي العبادة للّه في معناها اللغوي وفي معناها الاصطلاحي على السواء .. وعليها تدور المعركة الخالدة بين الإنسان والشيطان!
وأخيرا نقف أمام اللفتة الصادقة العميقة في قوله تعالى عن المتقين: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ» ..
إن هذا الدين لا يحاول تغيير طبيعة البشر في هذه الأرض ولا تحويلهم خلقا آخر. ومن ثم يعترف لهم بأنه كان في صدورهم غلّ في الدنيا وبأن هذا من طبيعة بشريتهم التي لا يذهب بها الإيمان والإسلام من جذورها ولكنه يعالجها فقط لتخف حدتها، ويتسامى بها لتنصرف إلى الحب في اللّه والكره في اللّه - وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ - ولكنهم في الجنة - وقد وصلت بشريتهم إلى منتهى رقيها وأدت كذلك دورها في الحياة الدنيا - ينزع أصل الإحساس بالغل من صدورهم ولا تكون إلا الأخوة الصافية الودود .. إنها درجة أهل الجنة .. فمن وجدها في نفسه غالبة في هذه الأرض، فليستبشر بأنه من أهلها، ما دام ذلك وهو مؤمن، فهذا هو الشرط الذي لا تقوم بغيره الأعمال .. (?)