البشري، وتحريك له ليقتحم العقبة وقد وضحت ووضح معها أنها الحائل بينه وبين هذا المكسب الضخم .. «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ»! ففيه تحضيض ودفع وترغيب! ثم تفخيم لهذا الشأن وتعظيم: «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ!» .. إنه ليس تضخيم العقبة، ولكنه تعظيم شأنها عند اللّه، ليحفز به «الْإِنْسانَ» إلى اقتحامها وتخطيها مهما تتطلب من جهد ومن كبد. فالكبد واقع واقع. وحين يبذل لاقتحام العقبة يؤتي ثمره ويعوض المقتحم عما يكابده، ولا يذهب ضياعا وهو واقع واقع على كل حال!
ويبدأ كشف العقبة وبيان طبيعتها بالأمر الذي كانت البيئة الخاصة التي تواجهها الدعوة في أمسّ الحاجة إليه:فك الرقاب العانية وإطعام الطعام والحاجة إليه ماسة للضعاف الذين تقسو عليهم البيئة الجاحدة المتكالبة، وينتهي بالأمر الذي لا يتعلق ببيئة خاصة ولا بزمان خاص، والذي تواجهه النفوس جميعا، وهي تتخطى العقبة إلى النجاة: «ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ» ... وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها، وأن العتق هو الاستقلال بهذا .. وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة.
وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر وليست له دولة تقوم على شريعته. وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها. وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق. فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته، وبلال بن رباح، وصهيب .. وغيرهم - رضي اللّه عنهم جميعا - اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة، وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق. وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة، فكان أبو بكر - رضي اللّه عنه - هو السابق كعادته دائما إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة ..
قال ابن إسحاق: «وَكَانَ بَلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، لِبَعْضِ بَنِي جُمَحٍ مُوَلّدًا مِنْ مُوَلّدِيهِمْ وَهُوَ بَلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَكَانَ اسْمُ أُمّهِ حَمَامَةَ وَكَانَ صَادِقَ الْإِسْلَامِ طَاهِرَ الْقَلْبِ وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ يُخْرِجُهُ إذَا مَكّةَ، ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعَ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَهُ (لَا وَاَللّهِ) لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتّى تَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمّدِ وَتَعْبُدَ اللّاتَ وَالْعُزّى، فَيَقُول وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَحَدٌ أَحَدٌ.قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ