إن الذي أوحى بهذا القرآن هو اللّه، خالق هذا الإنسان، العليم بطبيعة تكوينه، الخبير بدروب نفسه ومنحنياتها .. وكما أن الدعاة إلى اللّه يجب أن يتبعوا منهج اللّه في البدء بتقرير ألوهية اللّه - سبحانه - وربوبيته وحاكميته وسلطانه فإنهم كذلك يجب أن يسلكوا إلى القلوب طريق هذا القرآن في تعريف الناس بربهم الحق - على ذلك النحو - كيما تنتهي هذه القلوب إلى الدينونة للّه وحده، والاعتراف بربوبيته المتفردة وسلطانه ..
ولتعريف الناس بربهم الحق، ونفي كل شبهة شرك، يعني المنهج القرآني ببيان طبيعة الرسالة، وطبيعة الرسول .. ذلك أن انحرافات كثيرة في التصور الاعتقادي جاءت لأهل الكتاب من قبل، من جراء الخلط بين طبيعة الألوهية وطبيعة النبوة - وبخاصة في العقائد النصرانية - حيث خلعت على عيسى - عليه السلام - خصائص الألوهية وخصائص الربوبية ودخل أتباع شتى الكنائس في متاهة من الخلافات العقدية المذهبية بسبب ذلك الخلط المنافي للحقيقة.
ولم تكن عقائد النصارى وحدهم هي التي دخلت في تلك المتاهة فقد خبطت شتى الوثنيات في ذلك التيه وتصورت للنبوة صفات غامضة بعضها يصل بين النبوة والسحر! وبعضها يصل بين النبوة والتنبؤات الكشفية! وبعضها يصل بين النبوة والجن والأرواح الخفية!
وكثير من هذه التصورات كان يخالج الوثنية العربية .. من أجل هذا كان بعضهم يطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينبئهم بالغيب! وبعضهم كان يقترح أن يصنع لهم خوارق مادية معينة! كما أنهم كانوا يرمونه - صلى الله عليه وسلم - بأنه ساحر، وبأنه «مجنون» - أي على صلة بالجن! - وبعضهم كان يطلب أن يكون معه ملك ... إلى آخر هذه المقترحات والتحديات والاتهامات التي كانت متلبسة بالتصورات الوثنية عن طبيعة النبي وطبيعة النبوة! ولقد جاء هذا القرآن ليجلي الحقيقة كاملة عن طبيعة النبوة وطبيعة النبي وعن طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول وعن حقيقة الألوهية المتمثلة في اللّه وحده - سبحانه - وحقيقة العبودية التي تشمل كل ما خلق اللّه وكل من خلق ومنهم أنبياء اللّه ورسله فهم عباد صالحون وليسوا خلقا آخر غير البشر وليس لهم من خصائص الألوهية شيء وليسوا على اتصال بعوالم