الرد على من قسم الفقه إلى عبادات ومعاملات

لا أن نقف أمام مدلول مصطلح «العبادة» الوارد في السورة (سورة هود) - وفي القرآن كله - لندرك ما وراء ذلك التركيز على الأمر بعبادة اللّه وحده، والنهي عن عبادة غيره. وما وراء هذه العناية في التعبير عن شطري هذه الحقيقة في نص منطوق، وعدم الاكتفاء بالدلالة الضمنية المفهومة.

لقد جلينا من قبل في أثناء التعقيب على قصة هود وقومه - في هذه السورة - ما هو مدلول مصطلح «العبادة» الذي استحق كل هذا التركيز وكل هذه العناية كما استحق كل ذلك الجهد من رهط الرسل الكرام، وكل تلك العذابات والآلام التي عاناها الدعاة إلى عبادة اللّه وحده على ممر الأيام .. فالآن نضيف إلى ذلك التعقيب بعض اللمحات:

إن إطلاق مصطلح «العبادات» على الشعائر وعلى ما يكون بين العبد والرب من تعامل، في مقابل إطلاق مصطلح: «المعاملات» على ما يكون بين الناس بعضهم وبعض من تعامل .. إن هذا جاء متأخرا عن عصر نزول القرآن الكريم ولم يكن هذا التقسيم معروفا في العهد الأول.

ولقد كتبنا من قبل في كتاب «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» شيئا عن تاريخ هذه المسألة نقتطف منه هذه الفقرات:

«إن تقسيم النشاط الإنساني إلى «عبادات» و «معاملات» مسألة جاءت متأخرة عن التأليف في مادة «الفقه».ومع أنه كان المقصود به - في أول الأمر - مجرد التقسيم «الفني» الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه - مع الأسف - أنشأ فيما بعد آثارا سيئة في التصور، تبعها - بعد فترة - آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة «العبادة» إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط، الذي يتناوله «فقه العبادات».بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط، الذي يتناوله «فقه المعاملات»! وهو انحراف بالتصور الإسلامي لا شك فيه. فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015