يضرونه شيئا، ولا يردون له قضاء .. ففيم إذن يهوله شيء مما هم فيه، وربه هو الذي يعطي ويسلب حين يشاء كيف شاء؟ ..
إن أصحاب الدعوة إلى اللّه لا بد أن يجدوا حقيقة ربهم في نفوسهم على هذا النحو حتى يملكوا أن يقفوا بإيمانهم في استعلاء أمام قوى الجاهلية الطاغية من حولهم .. أمام القوة المادية. وقوة الصناعة. وقوة المال.
وقوة العلم البشري. وقوة الأنظمة والأجهزة والتجارب والخبرات .. وهم مستيقنون أن ربهم آخذ بناصية كل دابة وأن الناس - كل الناس - إن هم إلا دواب من الدواب! وذات يوم لا بد أن يقف أصحاب الدعوة من قومهم موقف المفاصلة الكاملة فإذا القوم الواحد أمتان مختلفتان .. أمة تدين للّه وحده وترفض الدينونة لسواه. وأمة تتخذ من دون اللّه أربابا، وتحاد اللّه! ويوم تتم هذه المفاصلة يتحقق وعد اللّه بالنصر لأوليائه، والتدمير على أعدائه - في صورة من الصور التي قد تخطر وقد لا تخطر على البال - ففي تاريخ الدعوة إلى اللّه على مدار التاريخ! لم يفصل اللّه بين أوليائه وأعدائه إلا بعد أن فاصل أولياؤه أعداءه على أساس العقيدة فاختاروا اللّه وحده .. وكانوا هم حزب اللّه الذين لا يعتمدون على غيره والذين لا يجدون لهم ناصرا سواه. (?)
إن التوحيد منهج، والشرك منهج آخر .. ولا يلتقيان .. التوحيد منهج يتجه بالإنسان - مع الوجود كله - إلى اللّه وحده لا شريك له. ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان، عقيدته وشريعته، وقيمه وموازينه، وآدابه وأخلاقه، وتصوراته كلها عن الحياة وعن الوجود. هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها هي اللّه، اللّه وحده بلا شريك. ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس. غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية .. وهي تسير .. وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية. وضرورية للمدعوين ..
إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان، وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها. وهذه الجماعات هي أعصى الجماعات على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف. أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة