الابتلاء.ومن هنا كان ذلك الربط بين الاستغفار والتوبة، وبين المتاع الحسن وإرسال السماء مدرارا ... فكل أولئك موصول بمصدر واحد هو الحق المتمثل في ذات اللّه سبحانه وفي قضائه وقدره، وفي تدبيره وتصريفه، وفي حسابه وجزائه، في الخير وفي الشر سواء ..
ومن هذا الارتباط مجلى أن القيم الإيمانية ليست منفصلة عن القيم العملية في حياة الناس. فكلتاهما تؤثر في هذه الحياة. سواء عن طريق قدر اللّه الغيبي المتعلق بعالم الأسباب من وراء علم البشر وسعيهم. أو عن طريق الآثار العملية المشهودة التي يمكن للبشر رؤيتها وضبطها كذلك. وهي الآثار التي ينشئها في حياتهم الإيمان أو عدم الإيمان، من النتائج المحسوسة المدركة.
إن سيادة المنهج الإلهي في مجتمع معناه أن يجد كل عامل جزاءه العادل في هذا المجتمع، وأن يجد كل فرد الأمن والسكينة والاستقرار الاجتماعي - فضلا على الأمن والسكينة والاستقرار القلبي بالإيمان - ومن شأن هذا كله أن يمتع الناس متاعا حسنا في هذه الدنيا قبل أن يلقوا جزاءهم الأخير في الآخرة .. وحين قلنا مرة: إن الدينونة للّه وحده في مجتمع من شأنها أن تصون جهود الناس وطاقاتهم من أن تنفق في الطبل والزمر والنفخ والتراتيل والتسابيح والترانيم والتهاويل التي تطلق حول الأرباب المزيفة، لتخلع عليها شيئا من خصائص الألوهية حتى تخضع لها الرقاب! ومن شأن هذا أن يوفر هذه الجهود والطاقات للبناء في الأرض والعمارة والنهوض بتكاليف الخلافة فيكون الخير الوفير للناس. فضلا على الكرامة والحرية والمساواة التي يتمتع بها الناس في ظل الدينونة للّه وحده دون العباد ..
وليست هذه إلا نماذج من ثمار الإيمان حين تتحقق حقيقته في حياة الناس ...
ونقف أمام تلك المواجهة الأخيرة من هود لقومه وأمام تلك المفاصلة التي قذف بها في وجوههم في حسم كامل، وفي تحد سافر، وفي استعلاء بالحق الذي معه، وثقة في ربه الذي يجد حقيقته في نفسه بينة: «قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» ..