إن حفنة من المسلمين من أتباع نوح عليه السلام، تذكر بعض الروايات أنهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عاما كما يقرر المصدر الوحيد المستيقن الصحيح في هذا الشأن ..
إن هذه الحفنة - وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهد الطويل - قد استحقت أن يغير اللّه لها المألوف من ظواهر هذا الكون وأن يجري لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء وكل حي في المعمور وقتها من الأرض! وأن يجعل هذه الحفنة وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك، وبذرة العمران فيها والاستخلاف من جديد .... وهذا أمر خطير ..
إن طلائع البعث الإسلامي التي تواجه الجاهلية الشاملة في الأرض كلها والتي تعاني الغربة في هذه الجاهلية والوحشة كما تعاني الأذى والمطاردة والتعذيب والتنكيل .. إن هذه الطلائع ينبغي أن تقف طويلا أمام هذا الأمر الخطير، وأمام دلالته التي تستحق التدبر والتفكير!
إن وجود البذرة المسلمة في الأرض شيء عظيم في ميزان اللّه تعالى .. شيء يستحق منه سبحانه أن يدمر الجاهلية وأرضها وعمرانها ومنشآتها وقواها ومدخراتها جميعا كما يستحق منه سبحانه أن يكلأ هذه البذرة ويرعاها حتى تسلم وتنجو وترث الأرض وتعمرها من جديد!
لقد كان نوح عليه السلام يصنع الفلك بأعين اللّه ووحيه، كما قال تعالى: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» ..
وعند ما لجأ نوح إلى ربه والقوم يطاردونه ويزجرونه ويفترون عليه كما قال اللّه تعالى في سورة القمر: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ. فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ».