إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ ابتداء من تصورات البشر، ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم - وذلك حين يرتدون إلى الجاهلية ويكفرون باللّه مهما ادعوا أنهم يؤمنون به، فمظهر الإيمان الأول باللّه هو استمداد الأنظمة من منهجه وشريعته، ولا إيمان بغير هذه القاعدة الكبيرة - ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ، والأوضاع المتطورة في أنظمتهم، هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم، وطبقوها على أنفسهم.
فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم، إنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم .. فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي «الإسلامي» وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية، فليس هذا واقعا تاريخيا للإسلام. إنما هو انحراف عن الإسلام! ولا بد من الانتباه إلى هذا الاعتبار عند النظر في التاريخ الإسلامي. فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية، وهي تختلف تماما مع سائر النظريات التاريخية الأخرى، التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي، هو التفسير العملي للنظرية أو المذهب، وتبحث عن «تطور» النظرية أو المذهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه، وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة! وتطبيق هذه النظرة على الإسلام ينافي طبيعته المتفردة، ويؤدي إلى أخطار كثيرة، في تحديد المفهوم الإسلامي الحقيقي. (?)
" إن المعسكر الإسلامي كان يعامل أعداءه في مسألة استرقاق الأسرى في الحرب كما يعاملونه من حيث مبدأ الرق، ويفضلهم في نوع معاملته للرقيق وفي اعتبار إنسانيته فضلا كبيرا. ولم يكن له بد من ذلك. حيث كان استرقاق الأسرى نظاما عالميا لا يملك الإسلام إبطاله من جانب واحد. وإلا كان الأسرى من المسلمين يصبحون رقيقا بينما الأسرى من الكفار يصبحون أحرارا. فترجح كفة المعسكرات الكافرة على المعسكر الإسلامي، وتطمع هذه المعسكرات في مهاجمته وهي آمنة مطمئنة من عواقب الهجوم، بل وهي رابحة غانمة! ومن ثم لم يكن بد من أن تكون هناك سبايا كوافر في المجتمع المسلم. فكيف يصنع بهن؟ إن الفطرة لا تكتفي بأن يأكلن ويشربن. فهناك حاجة فطرية أخرى لا بد لهن من إشباعها