قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)} [التوبة: 111 - 112]
هذا النص الذي تلوته من قبل وسمعته ما لا أستطيع عده من المرات، في أثناء حفظي للقرآن، وفي أثناء تلاوته، وفي أثناء دراسته بعد ذلك في أكثر من ربع قرن من الزمان .. هذا النص - حين واجهته في «الظلال» أحسست أنني أدرك منه ما لم أدركه من قبل في المرات التي لا أملك عدها على مدى ذلك الزمان! إنه نص رهيب! إنه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين باللّه وعن حقيقة البيعة التي أعطوها - بإسلامهم - طوال الحياة. فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف (المؤمن) وتتمثل فيه حقيقة الإيمان. وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق! حقيقة هذه البيعة - أو هذه المبايعة كما سماها اللّه كرما منه وفضلا وسماحة - أن اللّه - سبحانه - قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء .. لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله.
لم يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا .. كلا .. إنها صفقة مشتراة، لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء، وفق ما يفرض ووفق ما يحدد، وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم، لا يتلفت ولا يتخير، ولا يناقش ولا يجادل، ولا يقول إلا الطاعة والعمل والاستسلام .. والثمن: هو الجنة .. والطريق: هو الجهاد والقتل والقتال .. والنهاية: هي النصر أو الاستشهاد: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ» ..