نفس موسى. على طريقة القرآن الكريم في إلقاء الظلال، بالكلمة المفردة في كثير من الأحايين (?).
ولكن السياق يفاجئنا بما فوجىء به موسى - عليه السلام (?) - وبينما نحن في ظلال الاستهانة وعدم المبالاة، إذا بنا أمام مظهر السحر البارع، الذي يرهب ويخيف: {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (116) سورة الأعراف.
وحسبنا أن يقرر القرآن أنه سحر عظيم، لندرك أي سحر كان. وحسبنا أن نعلم أنهم سحروا «أعين الناس» وأثاروا الرهبة في قلوبهم: «واسترهبوهم» لنتصور أي سحر كان. ولفظ «استرهب» ذاته لفظ مصور.
فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسرا. ثم حسبنا أن نعلم من النص القرآني الآخر في سورة طه، أن موسى عليه السلام قد أوجس في نفسه خيفة لنتصور حقيقة ما كان! ولكن مفاجأة أخرى تطالع فرعون وملأه، وتطالع السحرة الكهنة، وتطالع جماهير الناس في الساحة الكبرى التي شهدت ذلك السحر العظيم: «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ، فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. فَغُلِبُوا هُنالِكَ، وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ» ..
إنه الباطل ينتفش، ويسحر العيون، ويسترهب القلوب، ويخيل إلى الكثيرين أنه غالب، وأنه جارف، وأنه محيق! وما هو إلا أن يواجه الحق الهادئ الواثق حتى ينفثىء كالفقاعة، وينكمش كالقنفذ، وينطفىء كشعلة الهشيم! وإذا الحق راجح الوزن، ثابت القواعد، عميق الجذور .. والتعبير القرآني هنا يلقي هذه الظلال، وهو يصور الحق واقعا ذا ثقل: «فوقع الحق» .. وثبت، واستقر .. وذهب ما عداه فلم يعد له وجود: «وبطل ما كانوا يعملون» .. وغلب الباطل والمبطلون وذلوا وصغروا وانكمشوا بعد الزهو الذي كان يبهر العيون: «فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ» ..