الصراع بين الحق والباطل

إن بني إسرائيل عبيد للّه وحده فما ينبغي أن يعبدهم فرعون لنفسه! إن الإنسان لا يخدم سيدين، ولا يعبد إلهين. فمن كان عبدا للّه، فما يمكن أن يكون عبدا لسواه. وإذ كان فرعون إنما يعبد بني إسرائيل لهواه فقد أعلن له موسى أن رب العالمين هو اللّه. وإعلان هذه الحقيقة ينهي شرعية ما يزاوله فرعون من تعبيد بني إسرائيل! إن إعلان ربوبية اللّه للعالمين هي بذاتها إعلان تحرير الإنسان. تحريره من الخضوع والطاعة والتبعية والعبودية لغير اللّه. تحريره من شرع البشر، ومن هوى البشر، ومن تقاليد البشر، ومن حكم البشر.

وإعلان ربوبية اللّه للعالمين لا يجتمع مع خضوع أحد من العالمين لغير اللّه ولا يجتمع مع حاكمية أحد بشريعة من عنده للناس .. والذين يظنون أنهم مسلمون بينما هم خاضعون لشريعة من صنع البشر - أي لربوبية غير ربوبية اللّه - واهمون إذا ظنوا لحظة واحدة أنهم مسلمون! إنهم لا يكونون في دين اللّه لحظة واحدة وحاكمهم غير اللّه، وقانونهم غير شريعة اللّه. إنما هم في دين حاكمهم ذاك. في دين الملك لا في دين اللّه! وعلى هذه الحقيقة أمر موسى - عليه السلام - أن يبني طلبه من فرعون إطلاق بني إسرائيل: «يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ... «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» ...

مقدمة ونتيجة .. تتلازمان ولا تفترقان ..

ولم تغب على فرعون وملئه دلالة هذا الإعلان. إعلان ربوبية اللّه للعالمين .. لم يغب عنهم أن هذا الإعلان يحمل في طياته هدم ملك فرعون. وقلب نظام حكمه، وإنكار شرعيته، وكشف عدوانه وطغيانه .. ولكن كان أمام فرعون وملئه فرصة أن يظهروا موسى بمظهر الكاذب الذي يزعم أنه رسول من رب العالمين بلا بينة ولا دليل: «قالَ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» .. ذلك أنه إذا اتضح أن هذا الداعية إلى ربوبية رب العالمين كاذب في دعواه سقطت دعوته، وهان أمره ولم يعد لهذه الدعوة الخطيرة من خطر - وصاحبها دعيّ لا بينة عنده ولا دليل! ولكن موسى يجيب: «فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ» ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015