يستطيلون بقوة ذاتية لهم وما يملكون أن يتجاوزوا ما أذن اللّه به على أيديهم .. والمؤمن الذي يعلم أن ربه هو الذي يقدر، وهو الذي يأذن، خليق أن يستهين بأعدائه من الشياطين مهما تبلغ قوتهم الظاهرة وسلطانهم المدّعى. ومن هنا هذا التوجيه العلوي لرسول اللّه الكريم: «فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ» ..
دعهم وافتراءهم. فأنا من ورائهم قادر على أخذهم، مدخر لهم جزاءهم ..
وهناك حكمة أخرى غير ابتلاء الشياطين، وابتلاء المؤمنين .. لقد قدر اللّه أن يكون هذا العداء، وأن يكون هذا الإيحاء، وأن يكون هذا الغرور بالقول والخداع .. لحكمة أخرى:
«وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَلِيَرْضَوْهُ، وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ» أي لتستمع إلى ذلك الخداع والإيحاء قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .. فهؤلاء يحصرون همهم كله في الدنيا. وهم يرون الشياطين في هذه الدنيا يقفون بالمرصاد لكل نبي، وينالون بالأذى أتباع كل نبي، ويزين بعضهم لبعض القول والفعل. فيخضعون للشياطين، معجبين بزخرفهم الباطل، معجبين بسلطانهم الخادع. ثم يكسبون ما يكسبون من الإثم والشر والمعصية والفساد. في ظل ذلك الإيحاء، وبسبب هذا الإصغاء ..
وهذا أمر أراده اللّه كذلك وجرى به قدره. لما وراءه من التمحيص والتجربة. ولما فيه من إعطاء كل أحد فرصته ليعمل لما هو ميسر له ويستحق جزاءه بالعدل والقسطاس.
ثم لتصلح الحياة بالدفع ويتميز الحق بالمفاصلة ويتمحض الخير بالصبر ويحمل الشياطين أوزارهم كاملة يوم القيامة .. وليجري الأمر كله وفق مشيئة اللّه .. أمر أعدائه وأمر أوليائه على السواء .. إنها مشيئة اللّه، واللّه يفعل ما يشاء ..
والمشهد الذي يرسمه القرآن الكريم للمعركة بين شياطين الإنس والجن من ناحية، وكل نبي وأتباعه من ناحية أخرى ومشيئة اللّه المهيمنة وقدره النافذ من ناحية ثالثة .. هذا المشهد بكل جوانبه جدير بأن نقف أمامه وقفة قصيرة:
إنها معركة تتجمع فيها قوى الشر في هذا الكون .. شياطين الإنس والجن .. تتجمع في تعاون وتناسق لإمضاء خطة مقررة .. هي عداء الحق الممثل في رسالات الأنبياء وحربه .. خطة مقررة فيها وسائلها .. «يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا» .. يمد