كما جاز التسبيح منها، وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب «اسكن أحد» الحديث.
وقال الحافظ المنذري: قال البغوي: الأولى إجراء الحديث على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء وأهل الطاعة كما حنّت الأسطوانة لمفارقته صلى الله عليه وسلم حتى سمع القوم حنينها، وكما أخبر أن حجرا كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قبل الوحي؛ فلا ينكر أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبه وتحنّ إلى لقائه، قال المنذري: وهو جيد.
قلت: ويرجحه قوله في الحديث المتقدم «فإذا جئتموه فكلوا من شجره» فإن عيرا يجاوره أهل قباء، ويظهر للقادم من جهة مكة قبل أحد، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقال السهيلي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية، ومع ذلك فحركاته الرفع، وذلك مشعر بارتفاع دين الأحد، فتعلق الحب به من النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى، فخص بذلك.
وليضف إليه أن المحبة لما تعلقت من الجانبين، وكان المرء مع من أحب، كان هذا الجبل معه صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا بسّت الجبال بسا.
وأيضا لما انقسم أهل المدينة إلى محب موحّد وهم المؤمنون وإلى منافق مبغض وهم الجاهلون الجاحدون كأبي عامر الراهب وغيره من المنافقين، وكانوا ثلث الناس يوم أحد رجعوا مع ابن أبي ولم يحضروا أحدا؛ انقسمت بقاع المدينة كذلك، فجعل الله تعالى هذا الجبل حبيبا محبوبا كمن حضر به، وجعله معه في الجنة، وخصه بهذا الاسم، وجعل عيرا مبغوضا إن صح الحديث فيه، وجعل بجهته المنافقين من أهل مسجد الضرار فرجعوا من جهة أحد إلى جهته فكان معهم في النار، وخصه باسم العير الذي هو الحمار المذموم أخلاقا وجهلا، والله أعلم.
وروى ابن شبة كما سبق في سكنى اليهود بالمدينة عن جابر بن عبد الله مرفوعا: خرج موسى وهارون عليهما السلام حاجّين أو معتمرين، حتى إذا قدما المدينة خافا اليهود فنزلا أحدا وهارون مريض، فحفر له موسى قبرا بأحد، وقال يا أخي ادخل فيه فإنك ميت، فدخل فيه، فلما دخل قبضه الله، فحثا موسى عليه التراب.
قلت: بأحد شعب يعرف بشعب هارون، يزعمون أن قبر هارون عليه السلام في أعلاه، وهو بعيد حسا ومعنى، وليس ثم ما يصلح للحفر وإخراج التراب. وفي أعلى أحد بناء اتخذه بعض الفقراء قريبا والناس يصعدون إليه، ولم يرد تعيين المحل الذي صعده النبي صلى الله عليه وسلم من أحد، نعم ورد صلاته بالمسجد الملاصق به المعروف بمسجد الفتح كما سبق في المساجد.