وروى ابن زبالة سجع عمرو بن عامر في المدينة بلفظ: من كان يريد الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل، المدركات بالذحل (?) ، فليلحق بيثرب ذات النخل؛ فلما سمعوا ذلك القول خرج عمرو بن عامر بجميع ولده ومن معه من الأزد يريد أرضا يقيمون بها، ففارقهم وداعة بن عامر فسكن همدان، ثم سار عمرو حتى إذا كان بين السراة ومكة أقام هنالك ناس من الأزد، وأقام معهم عمران بن عمرو بن عامر، ثم سار عمرو في باقي ولده وفي ناس من بني مازن من الأزد حتى نزلوا ماء يقال له غسان، وغلب عليهم اسمه حتى قال شاعرهم:
إمّا سألت فإنّا معشر نجب ... الأزد نسبتها والماء غسان
قال أبو المنذر الشرقي: ومن ماء غسان انخزع لحيّ- واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو بن حارثة- فأتى مكة فتزوج بنت عامر الجرهمي ملك جرهم، فولدت له عمرو بن لحي الذي غيّر دين إبراهيم، فسمى ولده خزاعة لأن أباهم انخزع من غسان.
وقال غيره ما يخالف ذلك؛ فروى الأزرقي أن عمرو بن عامر سار هو وقومه لا يطؤون بلدا إلا غلبوا عليه، فلما انتهوا إلى مكة- وأهلها جرهم قد قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم- أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر يقول: يا قوم إنا خرجنا من بلادنا، فلم ننزل بلدا إلا فسح أهله لنا فنقيم معهم حتى نرسل روّادنا إلى الشام والمشرق، فحيث ما قيل لنا إنه أمثل لحقنا به، فأبت جرهم ذلك، فأرسل إليهم ثعلبة: إنه لا بد لي من المقام، فإن تركتموني نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الماء والمرعى، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلا فضلا ولا تشربوا إلا رنقا- يعنى الكدر- فإن قاتلتموني قاتلتكم، ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال، ولم أترك أحدا منكم ينزل الحرم أبدا، فأبت جرهم، فاقتتلوا ثلاثة أيام، ثم انهزمت جرهم، فلم ينفلت منهم إلا الشريد، وأقام ثعلبة بمكة وما حولها بعساكره حولا، فأصابتهم الحمى، وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى، فدعوا طريفة الكاهنة فشكوا إليها الذي أصابهم، فقالت: قد أصابني الذي تشكون، ثم ذكر الأزرقي سجعها في أمر الدلالة على البلاد في هذا المحل وهو غى سجع عمران بن عامر عند تفرقهم من سبأ، ثم ذكر لحوق كل فرقة منهم ببلدها على النحو الذي قدمناه، وأن الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر- وهم الأنصار- نزلوا بالمدينة، ثم قال: وانخزعت خزاعة بمكة،