لتعظيمه والتبرك به، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه عند قبره بحضرة الملائكة الحافين به، وذلك من الدعاء المشروع له.

والزيارة قد تكون لمجرد تذكر الآخرة، وهو مستحب؛ لحديث «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» . وقد تكون للدعاء لأهل القبور كما ثبت من زيارة أهل البقيع، وقد تكون للتبرك بأهلها إذا كانوا من أهل الصلاح، وقال أبو محمد الشارمساحي المالكي: إن قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وقبور الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال السبكي: وهذا الاستثناء صحيح، وحكمه في غيرهم بالبدعة فيه نظر.

قلت: قد ذكر هذا الاستثناء ابن العربي أيضا، فقال: ولا يقصد يعني زائر القبر الانتفاع بالميت فإنها بدعة، وليس لأحد على وجه الأرض إلا لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، نقل ذلك عنه الحافظ زين الدين الحسيني الدمياطي، ثم تعقبه بأن زيارة قبور الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء وسائر المرسلين للبركة أثر معروف.

وقد قال حجة الإسلام الغزالي: كلّ من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد موته، ويجوز شد الرحال لهذا الغرض، انتهى.

وقد تكون الزيارة لأداء حق أهل القبور، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبه في دار الدنيا» وسبق عن ابن عباس مرفوعا «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام» ورأيت بخط الأقشهري: روى بقيّ بن مخلد بسنده إلى محمد بن النعمان عن أبيه مرفوعا «من زار قبر أبويه في كل جمعة أو أحدهما كتب بارا وإن كان في الدنيا قبل ذلك بهما عاقا» .

قال السبكي: وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فيها هذه المعاني الأربعة فلا يقوم غيرها مقامها.

وقد قال عبد الحق الصقلي عن أبي عمران المالكي، قال: إنما كره مالك أن يقال «زرنا قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم» لأن الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها، وزيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واجبة، قال عبد الحق: يعني من السنن الواجبة، انتهى.

واختار عياض أن كراهة مالك لذلك لإضافة الزيارة إلى القبر، وأنه لو قال «زرنا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم» لم يكره؛ لحديث «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر قطعا للذريعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015