وحي القلم (صفحة 993)

فإن قلت كما يقول سلامة موسى: إن في الحق أن تنفق المرأة على الرجل وأن تدفع له المهر ثم تساويه في الميراث، قلنا: إذا تقرر هذا وأصبح أصلًا يعمل عليه بطل زواج كل الفقيرات وهن سواد النسوة؛ إذ لا يملكن ما يمهرن به ولا ما ينفقن منه؛ وهذا ما يتحاماه الإسلام؛ لأنه فيه فساد الاجتماع وضياع الجنسين جميعًا؛ وهو مفضٍ بطبيعته إلى جعل الزواج للساعة ولليوم وللوقت المحدود.. ولإيجاد لقطاء الشوارع، بدلًا من أن يكون الزواج للعمر وللواجب ولتربية الرجل على احتمال المسؤولية الاجتماعية بإيجاد الأسرة وإنشائها والقيام عليها والسعي في مصالحها.

من هنا وجب أن ينعكس القياس إذا أريد أن تستقيم النتيجة الاجتماعية التي هي في الغاية لا من حق الرجل ولا من حق المرأة بل من حق الأمة؛ وما نساء الشوارع ونساء المعامل في أوربا من نتائج ذلك النظام الذي جاء مقلوبًا، فهن غلطات البيوت المتخربة والمسؤولية المتهدمة، وهن الواجبات التي ألقاها الرجال عن أنفسهم فوقعت حيث وقعت!

وإذا انزاحت مسؤولية المرأة عن الرجل انزاحت عنه مسؤولية النسل، فأصبح لنفسه لا لأمته؛ ولو عم هذا المسخ الاجتماع أسرع فيه الهرم وأتى عليه الضعف، وأصبحت الحكومات هي التي تستولد الناس على الطريقة التي تستنتج بها البهائم، وقد بدأ بعض كتاب أوربا يدعون حكوماتهم إلى هذا الذي ابتلوا به ولا يدرون سببه وما سببه إلا ما بينا آنفًا.

ثم إن هناك حكمة سامية، وهي أن المرأة لا تدع نصف حقها في الميراث لأخيها يفضلها به -بعد الأصل الذي نبهنا إليه- إلا لتعين بهذا العمل في البناء الاجتماعي؛ إذ تترك ما تتركه على أنه لامرأة أخرى، هي زوج أخيها؛ فتكون قد أعانت أخاها على القيام بواجبه للأمة، وأسدت للأمة عملًا آخر أسمى منه بتيسير زواج امرأة من النساء.

فأنت ترى أن مسألة الميراث هذه متغلغلة في مسائل كثيرة لا منفردة بنفسها، وأنها أحكم الحكمة إذا أريد بالرجل رجل أمته وبالمرأة امرأة أمتها، فأما إذا أريد رجل نفسه وامرأة نفسها، وتقرر أن الاجتماع في نفسه حماقة وأن الحكومة خرافة، وأن الأمة ضلالة، فحينئذ لا تنقلب آية الميراث وحدها بل تنقلب الحقيقة.

ومما نعجب له أن سلامة موسى يتكلم في محاضرته كأن كل الوالدين ذوو مال وعقار، فنصف الأمة على هذا محروم نصف حقه وكأنه لا يعرف أن السواد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015