تشرع في اتخاذ المدنية الحديثة يجب أن تبدأ بالقشور ... لأنها أسهل عليها من اللباب بل هي لا تستطيع غير ذلك". أكذلك بدأت اليابان؟. وهل كل الطباع كطبيعة بعض الناس، تستطيع أن تعتلف قشور المدنية.. وتنصرف إلى مداقها وسفاسفها؟
ولا ريب أن حضرته لا يفهم الدين الإسلامي؛ لأنه ليس من أهله، فهو يقرنا على ذلك، وهو بذلك يقرنا على أنه متطفل في اقتراحه؛ وإن الذي يقرأ في محاضرته قوله: "إن الطبقة الغنية في الأمة هي التي تقرر ديانة الأمة.." يستيقن أنه لا يفهم دينا من الأديان، وأنه قصير النظر في أمور الاجتماع وأبواب السياسة؛ وأن يمينه وشماله وأمامه ووراءه إن هي إلا جهات الزمام الذي ينقاد فيه؛ فلا شخصية له، وإنما يتابع وينقاد للآراء التي يترجم منها بلا نقد ولا تمييز.
إن ميراث البنت في الشريعة الإسلامية لم يقصد لذاته، بل هو مرتب على نظام الزواج فيها، وهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج نتيجة صحيحة من العملين معًا، فإذا وجب للمرأة أن تأخذ من ناحية وجب عليها أن تدع من ناحية تقابلها؛ وهذا الدين يقوم في أساسه على تربية أخلاقية عالية ينشئ بها طباعًا ويعدل بها طباعًا أخرى، كما بيناه في مقالنا المنشور في "مقتطف" هذا الشهر؛ فهو يربأ بالرجل أن يطمع في مال المرأة أو يكون عالة عليها؛ فمن ثم أوجب عليه أن يمهرها وأن ينفق عليها وعلى أولادها، وأن يدع لها رأيها وعملها في أموالها، لا تحد إرادتها بعمله ولا بأطماعه ولا بأهوائه؛ وكل ذلك لا يقصد منه إلا أن ينشأ الرجل عاملًا كاسبًا معتمدًا، متهيئًا لمعالي الأمور، فإن الأخلاق كما هو مقرر يدعو بعضها إلى بعض، ويعين شيء منها على شيء يماثله، ويدفع قويها ضعيفها، ويأنف عاليها من سافلها؛ وقد قلنا إنه لا يجوز لمتكلم أن يتكلم في حكمة الدين الإسلامي إلا إذا كان قوي الخلق، فإن من لا يكون الشيء في طبعه لا يفهمه إلا فهم جدل لا فهم اقتناع.
للمرأة حق واجب في مال زوجها، وليس للرجل مثل هذا الحق في مال زوجه؛ والإسلام يحث على الزواج، بل يفرضه؛ فهو بهذا يضيف إلى المرأة رجلًا ويعطيها به حقًّا جديدًا، فإن هي ساوت أخاها في الميراث مع هذه الميزة التي انفردت بها انعدمت المساواة في الحقيقة، فتزيد وينقص؛ إذ لها حق الميراث وحق النفقة وليس له إلا مثل حقها في الميراث إذا تساويا.