وحي القلم (صفحة 659)

وضيق وعيهم مما يبدع لهم أكاذيب الخيال، فتجيء من ذلك أوصافهم وفنون أوصافهم؛ أما النبي صلى الله عليه وسلم فيرى ذلك من ناحية الغنى عنه والسمو عليه؛ إذ كان لا ينظر بطبيعة روحه العظيمة إلا أعلى النظرين وأطهرهما، فآخر إدراكنا للحقيقة والطبيعة أول إدراكه هو الطبيعة والحقيقة، وما تعجز عنه الإنسانية تبدأ منه النبوة.

وعلى هذا فإن من أقوى البراهين على كماله صلى الله عليه وسلم ونبوته واتساع روحه ونفاذ إدراكه لحقائق الكون -أنه لم يتبسط في تلك الفنون كما يصنع البلغاء، ولم يأخذ مأخذهم فيها؛ إذ كانت كلها من أكاذيب القلب والفكر والعين.

وفي قانون الحقيقة أن الأشياء هي كل الأشياء وهي كما هي، أما في قانون الكذب فالأشياء كلها هي ما تختاره أنت منها، وكما تختاره.

بحسب الدنيا من جمال فنه صلى الله عليه وسلم ما يضيف إلى الحياة عظمة الأشياء العظيمة، ويدفع الإنسانية في طريقها الواحد الذي هو بين الأب والأم، طريق الأخ إلى أخيه، يكون في الدنيا بين الرجلين كما هو في الدم بين القلبين رحمة ومودة؛ وبحسبنا من جمال هذا الفن ما يهدي الإنسان إلى حقيقة نفسه؛ فيقره في الحقيقي من وجوده الإنساني؛ ويجعل الفضائل كلها تربية للقلب؛ يكبر بها، ثم يكبر، ثم لا يزال يكبر حتى يتسع لحقيقة هذه الكلمة الكبرى: الله أكبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015