قلت: وما عليك من حبيبة خائنة في الورق، ولص بين الحروف المطبعية وقاتل لا يقتل إلا كلاما، وسجن ومحكمة على الصحيفة لا على الأرض؟
قال: هذه نكتة النبوغ، فما استوعبت القصة حتى غمرتني أشخاصها، وأقحمت منها على هول هائل، فخانتني الخائنة لعنها الله.. ولولا خوف السجن والمحكمة لقتلتها أشنع قتلة، ومثلت بها أقبح تمثيل. ويح الخائنة كيف استمالها ذلك الدميم الطويل العملاق المشبوح العظام المفتول العضل؟ ولكني لست عملاقا ولا مبنيا بناء الحائط، ثم كان مجنونا بشهواته جنون الفيل الهائج، وكنت في شهواتي عاقلا عقل الإنسان، ثم كان غنيا غنى الجهال، وكنت فقيرا فقر العلماء. والنساء؛ قبح الله النساء. إنهن زينة تطلب زينة مثلها وإن المرأة لتمنح وجهها للقرد يقبله إذا كان الذهب يتساقط من قبلاته. أما من كان مثلي، أمواله الشباب والجمال والعقل والنبوغ، فهو مفلس عندهن إفلاس القرد في الغابة، فهو عندهن قرد لهذه المشابهة.
قلت: هذا ليس عجيبا فإن اللغويين يجرون على الشيء اسم ما يقاربه في المعنى.
قال المجنون الآخر: "مما حفظناه": أن اللغويين يجرون على الشيء اسم ما يقاربه في المعنى ...
فتربد وجه "النابغة" غضبًا وقال: أبي يلعب هذا المجنون؟ إنه يزعم أن اللغويين يسمونني قردًا، فهاتوا القواميس كلها وارجعوا إلى مادة "قرد" ومادة "نابغة" ... سوأة عليك أيها الصبي المعمر ... ألا فدعوني أؤدبه أدب الصبيان فإن اللطمة القوية على وجه الطفل المكابر في حقيقة تلمسه الحقيقة التي يكابر فيها إذ تدخلها إلى عقله من أقرب طريق ...
قال ا. ش: أنت قلت: لا هو. على أنك لست قردًا أبدًا إلا عند امرأة جميلة فاتنة متخيلة متماجنة، قد نضع البرذعة على ظهر الأمير وتجعله حمارها، فيعجب الأمير أن يكون حمارها. ولست قردًا مع قراد إلى جانب عنز وكلب.
قال: الآن علمت السبب، فإن الخائنة كانت متخيلة مؤلفة كتب وروايات، والمرأة التي تؤلف الكتب، غير بعيد أن تؤلف الرجل أيضًا، وتجعله قصة هو فيها قرد ... وهذا إن كانت جميلة كامرأة الرواية. أما إن كانت دميمة مجموعة من المتناقضات، أو عجوزًا مجموعة من السنين؛ فهذه وهذه كل أيامها كيوم الأحد عند النصارى ... يوم للعطلة لا بيع فيه ولا شراء ولا مساومة. هذه وهذه كلتاهما