وطرت بين حياة وموت فجعلتهما يستويان في اعتقادك؛ إذ وصلت فكرة الموت بسر الإيمان، والحياة بسر العزيمة.
وكنت رجل أمتك بإنكار ذات نفسك من أجلها.
واتسعت للتاريخ بوضعك عمرك المحدود على الطيارة، وقذفك بها وبه في مسبح الأجل.
وتجردت للأدبية لتعطي بلادك: إما شهيد مجد في الآخرة، وإما شهادة فخر في الدنيا.
وكنت على طيارتك الصغيرة المتطاردة تحت الريح، وحولك روح الهرم الأكبر القائم بإرادة مصر وكأنه مسمار مدقوق في كرة الأرض بين القطب والقطب.
وأنت يا "فائزة" يا هذه الصغيرة الخارجة من مال صاحبها وجهده وعزيمته كما تخرج القوة من ضعف، أعلمت إذ أنت ترتفعين وتهبطين بين السحب كما تتواثب الفراشة على النور في روضة مزهرة، وإذا أنت تفتقين وتحوكين في ملاءة السحاب كأنك بمحركك الدوار تنسجين في السماء بمغزل، وإذ أنت بين صفق الرياح الهوج1، تحت السماء المدججة2، في كبة الشتاء3، كأنك مناظرة تجري بين العزيمة في الإنسان والعزيمة في الطبيعة، وإذ أنت بين ذئاب الأعاصير، ونمور السحاب4 وسباع الغيم ذوات اللبدة الكثيفة المتشعثة، كأنك بصوتك وأزيزك تطلقين على وحوش الجو مدفعًا رشاشًا يتركها صرعى.
وإذ تراك الريح فتقول عنك: ريح صنعها الإنسان. ويراك النجم فيقول: نجم أفلت من النظام الأرضي. وتراك الملائكة فتقول: ويحك يابن آدم، كأنك بما خلقه العقل تطمع منا في سجدة أخرى كالتي سجدناها لآدم يوم خلقه الله.
أعلمت إذ أنت كذلك يا "فائزة"، أن التاريخ المصري سيحولك من