أغصانها الخضر؛ لو قالت شيئا لقالت: إن ثروتي في الحياة هي الحياة نفسها، فليس لي فقر ولا غنى، بل طبيعة أو لا طبيعة.
ولقد كان المسلم يضرب بالسيف في سبيل الله, فتقع ضربات السيوف على جسمه فتمزقه؛ فما يحسها إلا كأنها قبل أصدقاء من الملائكة يلقونه ويعانقونه!
وكان يبتلى في نفسه وماله، فلا يشعر في ذلك أنه المرزأ المبتلى يعرف فيه الحزن والانكسار، بل تظهر فيه الإنسانية المنتصرة كما يظهر التاريخ الظافر في بطله العظيم أصيب في كل موضع من جسمه بجراح، فهي جراح وتشويه وألم، وهي شهادة النصر!
ولم تكن أثقال المسلم من دنياه أثقالًا على نفسه, بل كانت له أسباب قوة وسمو؛ كالنسر المخلوق لطبقات الجو العليا، ويحمل دائما من أجل هذه الطبقات ثقل جناحيه العظيمين.
وكانت الحقيقة -التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم الأعلى، وأقرها في أنفسهم بجميع أخلاقه وأعماله- أن الفضائل كلها واجبة على كل مسلم لنفسه، إذ إنها واجبة بكل مسلم على غيره، فلا تكون في الأمة إلا إرادة واحدة متعاونة، تجعل المسلم وما هو روح أمته تعمل به أعمالها هي لا أعماله وحدها.
المسلم إنسان ممتد بمنافعه في معناه الاجتماعي حول أمته كلها، لا إنسان ضيق مجتمع حول نفسه بهذه المنافع؛ وهو من غيره في صدق المعاملة الاجتماعية كالتاجر من التاجر؛ تقول الأمانة لكليهما: لا قيمة لميزانك إلا أن يصدقه ميزان أخيك.
ولن يكون الإسلام صحيحا تماما حتى يجعل حامله مثلا من نبيه في أخلاق الله؛ فما هو بشخص يضبط طبيعته؛ يقهرها مرة وتقهره مرارًا؛ ولكن طبيعة تضبط شخصها فهي قانون وجوده.
لا يضطرب من شيء، وكيف يضطرب ومعه الاستقرار؟
لا يخاف من شيء، وكيف يخاف ومعه الطمأنينة؟
لا يخشى مخلوقا، وكيف يخشى ومعه الله؟
أيها الأسد! هل أنت بجملتك إلا في طبيعة مخالبك وأنيابك؟