وحي القلم (صفحة 311)

والرجل الكامل المفكر المتخيل إذا كان زوجًا وعَشِق، أو كان عاشقًا وتزوج بغير من يهواها، استطاع أن يبتدع لنفسه فنًّا جميلًا من مسرات الفكر لا يجده العاشق ولا يناله المتزوج؛ وإنه ليرى زوجته من الحبيبة كالتمثال جَمَد على هيئة واحدة، غير أنه لا يُغفِل أن هذا هو سر من أسرار الإبداع في التمثال، إذ تلك هيئة استقرار الأسمى في سموه؛ فإن الزوجة أمومة على قاعدتها، وحياة على قاعدتها؛ أما الحبيبة فلا قاعدة لها، وهي معانٍ شاردة لا تستقر، وزائلة لا تثبت، وفنها كله في أن تبقى حيث هي كما هي، فجمالها يحيا كل يوم حياة جديدة ما دامت فنًّا محضًا، وما دام سر أنوثتها في حجابه.

ومتى تزوج الرجل بمن يحبها انهتك له حجاب أنوثتها فبطل أن يكون فيها سر، وعادت له غير من كانت، وعاد لها غير من كان؛ وهذا التحول في كل منهما هو زوال كل منهما من خيال صاحبه؛ فليس يصلح الحب أساسًا للسعادة في الزواج، بل أَحْرِ به إذا كان وَجْدًا واحتراقًا أن يكون أساسًا للشؤم فيه؛ إذ كان قد وضع بين الزوجين حدًّا يعين لهما درجة من درجة في الشغف والصبابة والخيال، وهما بعد الزواج متراجعان وراء هذا الحد ما من ذلك بد، فإن لم يكن الزوج في هذه الحالة رجلًا تام الرجولة، أفسدت الحياة عليه وعلى زوجته صبيانية روحه؛ فالتمس في الزوجة ما لم يعد فيها، فإذا انكشف فراغها ذهب يلتمسه في غيرها، وكان بلاء عليها وعلى نفسه وعلى أولاده قبل أن يولدوا؛ إذ يضع أمام هذه المرأة أسوأ الأمثلة لأبي أولادها، ويفسد إحساسها فيفسد تكوينها النفسي؛ وما المرأة إلا حسها وشعورها1.

فالشأن هو في تمام الرجولة وقوتها وشهامتها وفحولتها، إن كان الرجل عاشقًا أو لم يكنه. وما من رجل قوي الرجولة إلا وأساسه ديانته وكرامته؛ وما من ذي دين أو كرامة يقع في مثل هذه المشكلة ثم تُظلم به الزوجة أو يحيف عليها أو يفسد ما بينه وبينها من المداخلة وحسن العشرة، بَلْه أن يراها كما يقول صاحب المشكلة "مصيبة" فيجافيها ويبالغ في إعناتها ويشفي غيظه بإذلالها واحتقارها.

وأي ذي دين يأمن على دينه أن يهلك في بعض ذلك, فضلا عن كل ذلك؟ وأي ذي كرامة يرضى لكرامته أن تنقلب خسة ودناءة ونذالة في معاملة امرأة هو لا غيره ذنبها؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015