ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في حكم حق الابتكار إلى اختلافهم في طبيعة هذا الحق واختلافهم في اعتباره، هل هو حق شخصي أم هو حق عيني؟ فالحق الشخصي ما يثبت في الذمة ولا يثبت على شيء معيّن، أما الحق العيني فإنه يثبت على معيّن بذاته.
وبما أن من العلماء من قال " إن الغرض الأظهر من جميع الأموال هو منفعتها" (?)، كان لزاماً علينا بيان معنى المال عند الفقهاء، فالمال عند الحنفية" اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه" (?)، حيث يتضح من هذا أن المال عند الحنفية عينٌ يُمكن إحرازه، فيخرج من ذلك المنافع كالسكن في الدار، حيث إن السكن في الدار لا يُعدّ مالاً لكون ذلك منفعة ولا يُمكن إحرازها، ويندرج من ذلك أن الابتكار لا يُعدّ مالاً بحدّ ذاته؛ لأنه منفعة للناس، إلا إذا اتفق العامل وصاحب العمل على الابتكار فإنه يصبح مالاً، وقد أجاز متأخرو الحنفية النزول عن حق الوظيفة بالمال، وهو حقٌ مجرد لا متقرر (?)، أما جمهور الفقهاء فإنهم عرّفوا المال بأنه:" ما له قيمة يُباع بها، وهو أعيان أو منافع" (?)، فيُفهم من ذلك أنهم اعتبروا المنافع مالاً بحدّ ذاتها، حيث يرى الشاطبي أن المال:" كل ما يقع عليه الملك ويستقل به المالك" (?)، ونحن نرى أن من الفقهاء المالكية من يذكر للمال تعريفاً ينطبق على الابتكار العلمي، حيث يقول بعضهم:" ظاهر المال إذا أُطلق يشمل العين والعَرَض" (?)،
وهذا التعريف متحقق في الابتكار الفكري لأنه صورة ذهنية، أو معانٍ عقلية متجردة، لا قيام لها بنفسها، ولا يمكن الإشارة إليها حساً من حيث ذاتها إلا بعد إضافتها ... إلى صاحبها ومصدرها الذي اتخذته حيزاً مادياً لها (?)،وعند الشافعية المال:" كل ما له قيمة يُباع بها،