قال: فحرَّك قوله مني شيئاً، ونمت: فلما كانت الليلة الثالثة، أتاني فضربني برجله، ثم قال: يا سواد، أتعقل أم لا تعقل؟ قلت: وما ذاك؟ قال: قد ظهر بمكة نبيٌّ، يدعو إلأى عبادة ربه، فالحقْ به: اسمع أقلْ لك. قلت: هات. قال: "من السريع":
عجبتُ للجنِّ وأخبارها ... ورحلها العيسَ بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل كفّارها
فارحلْ إلى الصفوة من هاشمْ ... بين روابيها وأحبارها
قال: فعلمتُ أن الله عزّ وجل قد أراد بي خيراً.
فقمتُ إلى بُردة لي ففتقتُها، ولبستُها، ووضعتُ رجلي في غرز ركاب الناقة حتى انتهيت إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فعرض عليَّ الإسلام، فأسلمتُ وأخبرته الخبر. قال: إذا اجتمع المسلمون فأخبرهم.
فلمّا اجتمع الناس قمتُ فقلتُ "من الطويل":
أتاني نجيِّ بعد هَدءٍ ورَقدةٍ ... ولم يكُ فيما قد بلوتُ بكاذبِ
ثلاث ليالٍ قولُهُ كلَّ ليلةٍ ... أتاكَ رسولٌ من لؤيّ بن غالبِ
فشمَّرتُ عن ذيلي الإزار ووسَّطت ... بي الدُّعلبُ الوجناءُ غبر السَّباسبِ
وأعلمُ أنَّ اللهَ لا ربّض غيرُه ... وأنك مأمونٌ على كلِّ غائبِ
وأنك أدنى المؤمنين وسيلةً ... إلى الله يا بن الأكرمين الأطايبِ
فمرنا بما يأْتيكَ يا خيرَ مُرسلٍ ... وإنْ كان فيما جاءَ شيبُ الذَّوائبِ
وكن لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ... سواك بمغنٍ عن سواد بن غاربِ
قال: فسُرَّ المسلمون بذلك.