الحادي عشر - الجهات التي تشترك في صناعة الطاغوت:

وإذا كانت الطاغوتية لها رؤوس خمسة كما أسلفنا، فإن هناك نوع من الطاغوتية في الحكم والسياسة حذر الدين الحنيف منها، وهي موضوعنا في هذه السطور، وهذه الطاغوتية صناعة يصنعها البشر ووسيلة يتخذونها لاستعباد الناس واسترقاقهم بعد أن جاء الإسلام لتحرير الإنسان من الرق والعبودية، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهناك جهات أربع تشترك في صناعة الطاغوت وهي:

1 - نفسه الأمارة بالسوء:

أول من يصنع الحاكم الطاغوتي نفسه الأمارة بالسوء، والتي تجعله يسير وراء هواه ويتخذه إلها ومعبودا، قال - تعالى -: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [(23) سورة الجاثية].

فيزل الحاكم على حكم العاطفة من غير تحكيم العقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة، فإذا ما تحدث تحدث عن هوى، وإذا ما قاتل قاتل عن عصبية ومصلحة، قال - تعالى -: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [(76) سورة النساء].

فهو في حكمه يرى نفسه أعقل الناس وأذكاهم وأرجحهم رأيا وأوفرهم عقلا، فلا يصلح للحكم غيره، فهو المعصوم الذي لا يخطئ والمصان الذي لا يهان، وعلى الناس أن لا ترى إلا بعينه ولا تسمع إلا بأذنه، كما قال فرعون لقومه: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [(29) سورة غافر].

بل يرى نفسه أفضل من أبي بكر الذي حينما تولى الخلافة خطب في الناس قائلا:"أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي، الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللهُ لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللهُ بِالذّلّ وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015