يُؤْخَذَ بِثَأْرِهِ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ، وَقِيلَ: بَلْ خُنِقَ. وَيُقَالُ: غُرِّقَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَبَاءُوا بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَكَابِرِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَأُولِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِبِلَادِ بَغْدَادَ - وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ الْخَلِيفَةِ فِي الْوَفَيَاتِ - وَمَالُوا عَلَى الْبَلَدِ، فَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَالْمَشَايِخِ وَالْكُهُولِ وَالشُّبَّانِ.

وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْآبَارِ وَأَمَاكِنِ الْحُشُوشِ، وَقُنِيِّ الْوَسَخِ، وَكَمَنُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَظْهَرُونَ، وَكَانَ الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْخَانَاتِ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، فَتَفْتَحُهَا التَّتَارُ إِمَّا بِالْكَسْرِ أَوْ بِالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَعَالِي الْمَكَانِ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الْأَسْطِحَةِ، حَتَّى تَجْرِيَ الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ وَالرُّبَطِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ سِوَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى دَارِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ الرَّافِضِيِّ، وَطَائِفَةٍ مِنَ التُّجَّارِ أَخَذُوا لَهُمْ أَمَانًا بَذَلُوا عَلَيْهِ أَمْوَالًا جَزِيلَةً حَتَّى سَلِمُوا وَسَلِمَتْ أَمْوَالُهُمْ. وَعَادَتْ بَغْدَادُ بَعْدَمَا كَانَتْ آنَسَ الْمُدُنِ كُلِّهَا كَأَنَّهَا خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ فِي خَوْفٍ وَجُوعٍ وَذِلَّةٍ وَقِلَّةٍ. وَكَانَ الْوَزِيرُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ يَجْتَهِدُ فِي صَرْفِ الْجُيُوشِ وَإِسْقَاطِ أَسْهُمِهِمْ مِنَ الدِّيوَانِ، فَكَانَتِ الْعَسَاكِرُ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مِنْهُمْ مَنَ الْأُمَرَاءِ مَنْ هُوَ كَالْمُلُوكِ الْأَكَابِرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْتَهِدُ فِي تَقْلِيلِهِمْ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا عَشَرَةُ آلَافٍ، ثُمَّ كَاتَبَ التَّتَارَ، وَأَطْمَعَهُمْ فِي أَخْذِ الْبِلَادِ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَجَلَّى لَهُمْ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَكَشَفَ لَهُمْ ضَعْفَ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ طَمَعًا مِنْهُ أَنْ يُزِيلَ السُّنَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْ يُظْهِرَ الْبِدْعَةَ الرَّافِضِيَّةَ، وَأَنْ يُقِيمَ خَلِيفَةً مَنَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَأَنْ يُبِيدَ الْعُلَمَاءَ وَالْمُفْتِينَ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَقَدْ رَدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَأَذَلَّهُ بَعْدَ الْعِزَّةِ الْقَعْسَاءِ، وَجَعَلَهُ حُوشْكَاشًا لِلتَّتَارِ بَعْدَمَا كَانَ وَزِيرًا لِلْخُلَفَاءِ، وَاكْتَسَبَ إِثْمَ مَنْ قُتِلَ بِمَدِينَةِ بَغْدَادَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015