الثالثة: أن سفيان من الحفاظ الأثبات، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ، وسواه غلط مردود.
وأما الخبر الثاني: فأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (169) . وفي إسناده: غياث بن إبراهيم كذبوه. قال ابن معين: كذاب خبيث. ولفظه في تذكره (محمداً) مجردٌ من حرف النداء. فلا حجة فيه، والكلام فيه على نحو ما مر في قول ابن عمر.
الأمر الثاني: في الدراية: يقال لهذا المستدل: غاية ما ذكرته أن فيه ذكراً للمحبوب، لا طلب حاجة منه أو به أن يزال ما به، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسلٌ، وإلا لكان لازماً أن من ذكر محبوبه فقد استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
فما قوله إذا ذكر الكافرُ حبيبه فزال خدَرُ رجله وانتشرت بعد قيد وخدور؟ أفيكون توسل به؟ ويكون من يزيل الأمراض والأخدار -سبحانه وتعالى- قد قبل هذه الوسيلة؟!
وهذا الدواء -التجريبي- للخدر كان معروفاً عند الجاهليين قبل الإسلام جُرِّب فنفع، وليس فيه إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
وجاءت الأشعار بهذا كثيراً في الجاهلية والإسلام:
فمنها: قول الشاعر:
صبُّ محبُّ إذا ما رِجْلُه خَدَرت
نادى (كُبَيْشَةَ) حتى يذهب الخَدَر
وقول الآخر:
على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امْذِلالُها
مقيماً بها حتى أُجيْلَكِ في فكري