فصل
قال الشوكاني في " الدر النضيد " ص (27-28) :
"واعلم أن ما حررناه وقررناه من أن كثيراً مما يفعله المعتقدون في الأموات يكون شركاً، قد يخفى على كثيرٍ من أهل العلم، وذلك لا لكونه خفياً في نفسه، بل لإطباق الجمهور على هذا الأمر وكونه قد شاب عليه الكبير وشب عليه الصغير، وهو يرى ذلك ويسمعه ولا يرى ولا يسمع من ينكره، بل ربما يسمع من يرغب فيه، ويندب الناس إليه.
وينضم إلى ذلك ما يظهره الشيطان للناس من قضاء حوائج من قصد بعض الأموات الذين لهم شهرة وللعامة فيهم اعتقاد، وربما يقف جماعة من المحتالين على قبر، ويجلبون الناس بأكاذيب يحكونها عن ذلك الميت؛ ليستجلبوا منهم النذور، ويستدروا منهم الأرزاق، ويقتنصوا النحائر، ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود عليهم وعلى من يعولونه، ويجعلون ذلك مكسباً ومعاشًا.
وربما يهولون على الزائر لذلك الميت، ويجعلون قبره بما يعظم في عين الواصلين إليه. . . ثم قال:
فبمجوع هذه الأمور مع تطاول الأزمنة، وانقراض القرن بعد القرن يظن الإنسان في مبادئ عمره وأوائل أيامه أن ذلك من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، ثم لا ينفعه ما تعلمه من العلم بعد ذلك، بل يذهل عن كل حجة شرعية تدل على أن هذا هو الشرك بعينه، وإذا سمع من يقول ذلك أنكره ونبا عنه سمعه، وضاق به ذرعه؛ لأنه يبعد كل البعد أن ينقل ذهنه دفعة واحدة في وقت واحد عن شيء يعتقده من أعظم الطاعات إلى