فصل:
وبرهان هذا الإجمال الذي قدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: "أول شافع، وأول مشفع" أخرجه مسلم (7/59) . وهذه الشفاعة هي الشفاعة العظمى لأهل الموقف، بالنص والإجماع.
فهذه قوله: نحكمه على من ادعى محبته وتصديقه، فقوله: " أنا أول شافع، وأول مشفع " يقتضي أولوية مطلقة لا استثناء فيها، على كل من قامت قيامته.
ومن زعم أنه بعد موته في قبره يشفع، وأن الصالحين يشفعون بعد موتهم في قبورهم فلا معنى لقوله: "أنا أول شافع" عند ذاك الزاعم، إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في قبره لكان يشفع من حين موته إلى أن ينفخ في الصور، وحينئذ فلا معنى لقوله: "أنا أول"، إذ لو كان يشفع في قبره لانتفى تخصيصه صلى الله عليه وسلم بهذه الفضيلة يوم القيامة!
فإذا كان في حياته يشفع لهم بالدعاء، وبعد موته يشفع، وبعد قيام قيامة الناس يشفع، فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول شافع"؟ ! فهو على هذا الفرض مستديم الشفاعة، ودائم قبولها منه عند أولئك الزاعمين، وإذا كان كذلك فأي فائدة من إنشاء هذا الخبر أنه أول شافع وأول مشفع؟ ! فتدبر هذا فإنه مفيد لمن أراد الله به خيراً.
فأهل السنة المتمسكون بما كان عليه الصحابة يطلبون في حال موت النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة من الله، ويسألون الله أن يشفع فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم، وطلبهم هذا يكون بأمرين:
الأول: الاستقامة على تحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وفهم معناها، والعمل بمقتضاها، ومخالفة معتقدات مشركي العرب وأشباههم