إن الذي جاء به عيسى - عليه السلام - من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل رسول.

والإقرار بالعبودية الخالصة للّه شأن كل رسول .. ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت عليها التحريفات بسبب دخول الوثنيين في النصرانية وحرصهم على رواسب الوثنية التي جاءوا بها ومزجها بعقيدة التوحيد، حتى لم يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية جوهر العقيدة منها.

ولم تجئ هذه الانحرافات كلها دفعة واحدة ولكنها دخلت على فترات وأضافتها المجامع واحدة بعد الأخرى حتى انتهت إلى هذا الخليط العجيب من التصورات والأساطير، الذي تحار فيه العقول. حتى عقول الشارحين للعقيدة المحرفة من أهلها المؤمنين بها! وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد المسيح - عليه السلام - في تلامذته وفي أتباعهم. وأحد الأناجيل الكثيرة التي كتبت - وهو إنجيل برنابا - يتحدث عن عيسى - عليه السلام - بوصفه رسولا من عند اللّه. ثم وقعت بينهم الاختلافات. فمن قائل: إن المسيح رسول من عند اللّه كسائر الرسل. ومن قائل: إنه رسول نعم ولكن له باللّه صلة خاصة. ومن قائل: إنه ابن اللّه لأنه خلق من غير أب، ولكنه على هذا مخلوق للّه. ومن قائل: إنه ابن اللّه وليس مخلوقا بل له صفة القدم كالأب ..

ولتصفية هذه الخلافات اجتمع في عام 325 ميلادية «مجمع نيقية» الذي اجتمع فيه ثمانية وأربعون ألفا من البطارقة والأساقفة. قال عنهم ابن البطريق أحد مؤرخي النصرانية:

«وكانوا مختلفين في الآراء والأديان. فمنهم من كان يقول: إن المسيح وأمه إلهان من دون اللّه. وهم «البربرانية» .. ويسمون: «الريمتيين».ومنهم من كان يقول: إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها. وهي مقالة «سابليوس» وشيعته. ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مرفي بطنها كما يمر الماء في الميزاب، لأن الكلمة دخلت في أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها. وهي مقالة «إليان» وأشياعه. ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفي ليكون مخلصا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015