قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة:15 - 16]
لقد كان أهل الكتاب يستكثرون أن يدعوهم إلى الإسلام نبي ليس منهم .. نبي من الأميين الذين كانوا يتعالون عليهم من قبل ويتعالمون لأنهم هم أهل الكتاب وهؤلاء أميون! فلما أراد اللّه الكرامة لهؤلاء الأميين بعث منهم خاتم النبيين، وجعل فيهم الرسالة الأخيرة، الشاملة للبشر أجمعين. وعلم هؤلاء الأميين، فإذا هم أعلم أهل الأرض وأرقاهم تصورا واعتقادا وأقومهم منهجا وطريقا، وأفضلهم شريعة ونظاما، وأصلحهم مجتمعا وأخلاقا .. وكان هذا كله من فضل اللّه عليهم ومن إنعامه بهذا الدين وارتضائه لهم ..
وما كان للأميين أن يكونوا أوصياء على هذه البشرية لولا هذه النعمة وما كان لهم - وليس لهم بعد - من زاد يقدمونه للبشرية إلا ما يزودهم به هذا الدين .. وفي هذا النداء الإلهي لأهل الكتاب، يسجل عليهم أنهم مدعوون إلى الإسلام. مدعوون للإيمان بهذا الرسول ونصره وتأييده، كما أخذ عليهم ميثاقه. ويسجل عليهم شهادته - سبحانه - بأن هذا النبي الأمي هو رسوله إليهم - كما أنه رسول إلى العرب، وإلى الناس كافة - فلا مجال لإنكار رسالته من عند اللّه أولا ولا مجال للادعاء بأن رسالته مقتصرة على العرب، أو ليست موجهة إلى أهل الكتاب ثانيا: «يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا، يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» ..
فهو رسول اللّه إليكم. ودوره معكم أن يبين لكم ويوضح ويكشف، ما تواطأتم على إخفائه من حقائق كتاب اللّه الذي معكم .. سواء في ذلك اليهود والنصارى .. وقد أخفى النصارى الأساس الأول للدين .. التوحيد .. وأخفى اليهود كثيرا من أحكام الشريعة كرجم الزاني، وتحريم الربا كافة. كما أخفوا جميعا خبر بعثة النبي الأمي «الَّذِي يَجِدُونَهُ