للعبد. ممثلة في تشريع العبد للعبد. وفي خضوع العبد للعبد لذاته أو لطبقته أو لجنسه .. فهذا هو الإصر الأكبر الذي أطلق اللّه عباده المؤمنين منه، فردهم إلى عبادته وحده وطاعته وحده، وتلقي الشريعة منه وحده. وحرر بهذه العبودية للّه الواحد الأحد أرواحهم وعقولهم وحياتهم كلها من العبودية للعبيد! إن العبودية للّه وحده - متمثلة في تلقي الشرائع والقوانين والقيم والموازين منه وحده - هي نقطة الانطلاق والتحرر البشري. الانطلاق والتحرر من سلطان الجبارين والطغاة، ومن سلطان السدنة والكهنة، ومن سلطان الأوهام والخرافات، ومن سلطان العرف والعادة، ومن سلطان الهوى والشهوة. ومن كل سلطان زائف يمثل الإصر الذي يلوي أعناق البشر ويخفض جباههم لغير الواحد القهار. ودعاء المؤمنين: «وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا»:يمثل شعورهم بنعمة الانطلاق والتحرر من العبودية للعبيد كما يمثل خوفهم من الارتداد إلى ذلك الدرك السحيق.
«رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» .. وهو دعاء يشي بحقيقة الاستسلام. فالمؤمنون لا ينوون نكولا عن تكليف اللّه أيا كان. ولكنهم فقط يتوجهون إليه راجين متطلعين أن يرحم ضعفهم فلا يكلفهم ما لا يطيقون. كي لا يعجزوا عنه ويقصروا فيه .. وإلا فهي الطاعة المطلقة والتسليم .. إنه طمع الصغير في رحمة الكبير. ورجاء العبد الضعيف في سماحة المالك المتصرف. وطلب ما هو من شأن اللّه في معاملته لعباده من كرم وبر وود وتيسير. ثم الاعتراف بالضعف بعد ذلك والتوجس من التقصير، الذي لا يمحو آثاره إلا فضل اللّه العفو الغفور: «وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا».فهذا هو الضمان الحقيقي لاجتياز الامتحان، ونيل الرضوان. فالعبد مقصر مهما يحاول من الوفاء. ومن رحمة اللّه به أن يعامله بالعفو والمرحمة والغفران، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ، فقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا. (?)