في سبيله واستمدادهم النصر منه .. كل أولئك في نغمة وادعة واجفة تصور بإيقاعاتها وجيب القلب ورفرفة الروح ..
«رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا».فدائرة الخطأ والنسيان هي التي تحكم تصرف المسلم حين ينتابه الضعف البشري الذي لا حيلة له فيه. وفي مجالها يتوجه إلى ربه يطلب العفو والسماح. وليس هو التبجح إذن بالخطيئة أو الإعراض ابتداء عن الأمر، أو التعالي عن الطاعة والتسليم أو الزيغ عن عمد وقصد .. ليس في شيء من هذا يكون حال المؤمن مع ربه وليس في شيء من هذا يطمع في عفوه أو سماحته .. إلا أن يتوب ويرجع إلى اللّه وينيب .. وقد استجاب اللّه لدعاء عباده المؤمنين في هذا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. (?).
«رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا» .. وهو دعاء ينبعث من وراثة الأمة المسلمة لتراث الرسالة كله، ومعرفتهم - كما علمهم ربهم في هذا القرآن - بما كان من سلوك الأمم التي جاءتها الرسالات قبلهم وما حملهم اللّه من الآصار والأثقال عقوبة لهم على بعض ما كان منهم. فقد حرم على بني إسرائيل بعض الطيبات بعملهم. وفي آية الأنعام: «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ» «سورة الأنعام آية 146.» .. وكتب عليهم قتل أنفسهم تكفيرا عن عبادتهم للعجل كما سبق في أول هذه السورة. وحرم عليهم «السَّبْتِ» أن يبتغوا فيه تجارة أو صيدا .. وهكذا فالمؤمنون يدعون ربهم ألا يحمل عليهم أثقالا كالتي حملها على الذين من قبلهم، وقد بعث اللّه النبي الأمي يضع عن المؤمنين به من البشر كافة: «إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ» .. فجاءت هذه العقيدة سمحة ميسرة، هينة لينة، تنبع من الفطرة وتتبع خط الفطرة، وقيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى».على أن الإصر الأكبر الذي رفعه اللّه عن كاهل الأمة المسلمة، والذي حمله اللّه على عاتق الأمم التي استخلفها في الأرض قبلهم فنقضت عهد الاستخلاف وحادت عنه .. هذا الإصر الأكبر هو إصر العبودية للبشر. عبودية العبد