- ومن الحياة أيضاً - مساحة أضخم وأوسع وأشمل مما تشغله " النظرية "0وتشمل - فيما تشمل - مساحة النظرية ومادتها، ولكنها لا تقتصر عليها0
إن التصور الإسلامي للألوهية، وللوجود الكوني، وللحياة، وللإنسان .. تصور شامل كامل0ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي0وهو يكره - بطبيعته - أن يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي، لأن هذا يخالف طبيعته وغايته0ويجب أن يتمثل في أناسي، وفي تنظيم حي، وفي حركة واقعية .. وطريقته في التكون أن ينمو من خلال الأناسي والتنظيم الحي والحركة الواقعية، حتى يكتمل نظرياً في نفس الوقت الذي يكتمل فيه واقعياً - ولا ينفصل في صورة " النظرية " بل يظل ممثلاً في صورة " الواقع " الحركي ..
وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي، ولا يتمثل من خلاله، هو خطأ وخطر كذلك، بالقياس إلى طبيعة هذا الدين وغايته، وطريقة تركيبه الذاتي.
والله - سبحانه - يقول: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} .. [الإسراء:106]
فالفرق مقصود0والمكث مقصود كذلك، ليتم البناء التكويني، المؤلف من عقيدة في صورة " منظمة حية " لا في صورة " نظرية "!
يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيداً أنه - كما إنه في ذاته دين رباني - فإن منهجه في العمل منهج رباني كذلك0متواف مع طبيعته، وإنه لا يمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل.
ويجب أن يعرفوا كذلك أن هذا الدين - كما إنه جاء ليغير التصور الاعتقادي، ومن ثم يغير الواقع الحيوي - فكذلك هو قد جاء ليغير المنهج الذي يبنى به التصور الاعتقادي، ويغير به الواقع الحيوي .. جاء ليبني عقيدة وهو يبني أمة .. ثم لينشئ منهج تفكير خاصاً به، بنفس الدرجة التي ينشئ بها تصوراً اعتقادياً وواقعاً حيوياً0ولا انفصال بين منهج تفكيره الخاص، وتصوره الاعتقادي الخاص، وبنائه الحيوي الخاص .. فكلها حزمة واحدة ..