التأثر، منفعلين أشد الانفعال، لا يملكون أنفسهم من الهزة التي ترج كيانهم رجا .. ثم يعرفون الحق، فيستجيبون له مذعنين معلنين هذا الإذعان: «فَآمَنَّا بِهِ» غير منكرين لما مس نفوسهم منه ولا معاندين، كما كان المشركون يفعلون!
«وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. فهو الإيمان الخالص الصريح الصحيح. غير مشوب بشرك، ولا ملتبس بوهم، ولا ممتزج بخرافة، الإيمان الذي ينبعث من إدراك حقيقة القرآن، والحقيقة التي يدعو إليها القرآن، حقيقة التوحيد للّه بلا شريك.
«وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا، مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» .. والجد: الحظ والنصيب. وهو القدر والمقام. وهو العظمة والسلطان .. وكلها إشعاعات من اللفظ تناسب المقام. والمعنى الإجمالي منها في الآية هو التعبير عن الشعور باستعلاء اللّه - سبحانه - وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة - أي زوجة - وولدا بنين أو بنات! وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات اللّه، جاءته من صهر مع الجن! فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية في تسبيح للّه وتنزيه، واستنكاف من هذا التصور أن يكون! وكانت الجن حرية أن تفخر بهذا الصهر الخرافي الأسطوري لو كان يشبه أن يكون! فهي قذيفة ضخمة تطلق على ذلك الزعم الواهي في تصورات المشركين!
وكل تصور يشبه هذه التصورات، ممن زعموا أن للّه ولدا سبحانه في أية صورة وفي أي تصوير! «وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً» ..
وهذه مراجعة من الجن لما كانوا يسمعون من سفهائهم من الشرك باللّه، وادعاء الصاحبة والولد والشريك، بعد ما تبين لهم من سماع القرآن أنه لم يكن حقا ولا صوابا، وأن قائليه إذن سفهاء فيهم خرق وجهل وهم يعللون تصديقهم لهؤلاء السفهاء من قبل بأنهم كانوا لا يتصورون أن أحدا يمكن أن يكذب على اللّه من الإنس أو الجن. فهم يستعظمون ويستهولون أن يجرؤ أحد على الكذب على اللّه. فلما قال لهم سفهاؤهم: إن للّه صاحبة وولدا، وإن له شريكا صدقوهم، لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على اللّه أبدا .. وهذا الشعور من هؤلاء النفر بنكارة الكذب على اللّه، هو الذي أهلهم للإيمان. فهو دلالة على