أنها عقيدة، إلا أنها تمثل منهج حياة واقعية للتطبيق العملي، ولا تقبع في الزاوية الضيقة التي تقبع فيها الأبحاث اللاهوتية النظرية!

كان القرآن، وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة، يخوض بهذه الجماعة المسلمة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها، كما يخوض بها معركة ضخمة مع رواسب الجاهلية في ضميرها هي وأخلاقها وواقعها .. ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة لا في صورة " نظرية " ولا في صورة " لاهوت "،ولا في صورة " جدل كلامي " .. ولكن في صورة تجمع عضوي حيوي وتكوين تنظيمي مباشر للحياة، ممثل في الجماعة المسلمة ذاتها، وكان نمو الجماعة المسلمة في تصورها الاعتقادي، وفي سلوكها الواقعي وفق هذا التصور، وفي دربتها على مواجهة الجاهلية كمنظمة محاربة لها .. كان هذا النمو ذاته ممثلاً تماماً لنمو البناء العقيدي، وترجمة حية له .. وهذا هو منهج الإسلام الذي يمثل طبيعته كذلك0

وإنه لمن الضروري لأصحاب الدعوة الإسلامية أن يدركوا طبيعة هذا الدين ومنهجه في الحركة على هذا النحو الذي بينَّاه0ذلك ليعلموا أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو، لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركة الإسلامية، والبناء الواقعي للجماعة المسلمة0لم تكن مرحلة تلقِّي " النظرية " ودراستها! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً .. وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى.

هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبت .. ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة، ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة - أولاً بأول - في صورة حية، متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي، يعبر نموه من داخله ومن خارجه عن نمو العقيدة ذاتها، ومتمثلة في حركة واقعية تواجه الجاهلية، وتخوض معها المعركة في الضمير وفي الواقع كذلك، لتتمثل العقيدة حية، وتنمو نمواً حياً في خضم المعركة.

وخطأ أي خطأ - بالقياس إلى الإسلام - أن تتبلور العقيدة في صورة " نظرية " مجردة للدراسة الذهنية .. المعرفية الثقافية .. بل خطر أي خطر كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015