ولأن رعاية مال اليتيم عهد على الجماعة ألحق به الأمر بالوفاء بالعهد إطلاقا. «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا» .. يسأل اللّه جل جلاله عن الوفاء به، ويحاسب من ينكث به وينقضه.
وقد أكد الإسلام على الوفاء بالعهد وشدد. لأن هذا الوفاء مناط الاستقامة والثقة والنظافة في ضمير الفرد وفي حياة الجماعة. وقد تكرر الحديث عن الوفاء بالعهد في صور شتى في القرآن والحديث سواء في ذلك عهد اللّه وعهد الناس. عهد الفرد وعهد الجماعة وعهد الدولة. عهد الحاكم وعهد المحكوم. وبلغ الإسلام في واقعه التاريخي شأوا بعيدا في الوفاء بالعهود لم تبلغه البشرية إلا في ظل الإسلام (?)
ومن الوفاء بالعهد إلى إيفاء الكيل والميزان: «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ. ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» ..
والمناسبة بين الوفاء بالعهد وإيفاء الكيل والميزان ظاهرة في المعنى واللفظ، فالانتقال في السياق ملحوظ التناسق. وإيفاء الكيل والاستقامة في الوزن، أمانة في التعامل، ونظافة في القلب، يستقيم بهما التعامل في الجماعة، وتتوافر بهما الثقة في النفوس، وتتم بهما البركة في الحياة. «ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» .. خير في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة.
عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أَيْ خَيْرٌ ثَوَابًا وَعَاقِبَةً وَأَخْبَرَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي، إِنَّكُمْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ: هَذَا الْمِكْيَالُ، وَهَذَا الْمِيزَانُ.قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ:" لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ، لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَةُ اللَّهِ، إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ " (?)