فرضا. إنما هو يدعو إلى التسامح ويؤثره ويحبب فيه، ويأجر عليه. ولكن بعد أن يعطي الحق. فلولي الدم أن يقتص أو يصفح. وشعور ولي الدم بأنه قادر على كليهما قد يجنح به إلى الصفح والتسامح، أما شعوره بأنه مرغم على الصفح فقد يهيج نفسه ويدفع به إلى الغلو والجماح!
وبعد أن ينتهي السياق من حرمة العرض وحرمة النفس، يتحدث عن حرمة مال اليتيم، وحرمة العهد.: «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا» ..
والإسلام يحفظ على المسلم دمه وعرضه وماله، فعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَالتَّقْوَى هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَلْبِ، قَالَ: وَحَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ، أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. (?)
ولكنه يشدد في مال اليتيم ويبرز النهي عن مجرد قربه إلا بالتي هي أحسن.
ذلك أن اليتيم ضعيف عن تدبير ماله، ضعيف عن الذود عنه، والجماعة الإسلامية مكلفة برعاية اليتيم وماله حتى يبلغ أشده ويرشد ويستطيع أن يدبر ماله وأن يدفع عنه.
ومما يلاحظ في هذه الأوامر والنواهي أن الأمور التي يكلف بها كل فرد بصفته الفردية جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة المفرد أما الأمور التي تناط بالجماعة فقد جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة الجمع، ففي الإحسان للوالدين وإيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل، وعدم التبذير، والتوسط في الإنفاق بين البخل والسرف، وفي التثبت من الحق والنهي عن الخيلاء والكبر .. كان الأمر أو النهي بصيغة المفرد لما لها من صبغة فردية. وفي النهي عن قتل الأولاد وعن الزنا وعن قتل النفس، والأمر برعاية مال اليتيم والوفاء بالعهد، وإيفاء الكيل والميزان كان الأمر أو النهي بصيغة الجمع لما لها من صبغة جماعية.
ومن ثم جاء النهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في صيغة الجمع، لتكون الجماعة كلها مسؤولة عن اليتيم وماله، فهذا عهد عليها بوصفها جماعة.