إن في الزنا قتلا من نواحي شتى. إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها. يتبعه غالبا الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق، قبل مولده أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة، أو حياة مهينة، فهي حياة مضيعة في المجتمع على نحو من الأنحاء .. وهو قتل في صورة أخرى. قتل للجماعة التي يفشو فيها. فتضيع الأنساب وتختلط الدماء، وتذهب الثقة في العرض والولد، وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها، فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات.

وهو قتل للجماعة من جانب آخر، إذ أن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها، والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة، لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه.

وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال، منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث. وقد يغر بعضهم أن أوربا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو هذه الفاحشة فيهما. ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفر نسا ظاهرة لا شك فيها. أما في الأمم الفتية كالولايات المتحدة، فإن فعلها لم تظهر بعد آثاره بسبب حداثة هذا الشعب واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عند ما يدلف إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن، كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده! والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا. وهي مبالغة في التحرز. لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة. فالتحرز من المقاربة أضمن. فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان.

ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة، توقيا للوقوع فيه .. يكره الاختلاط في غير ضرورة. ويحرم الخلوة. وينهى عن التبرج بالزينة. ويحض على الزواج لمن استطاع، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع. ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور. وينفي الخوف من العيلة والإملاق بسبب الأولاد. ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم. ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع، وعلى رمي المحصنات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015